جيش الممانعة الذي يقتل شعبه – د. عاكف الزعبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 9 décembre 2012

يمر الزمن وتتفاعل الأحداث، لتتكشف الحقائق فلا يعود ممكناً إخفاؤها. نظام الأسد الأب، ومن بعده نظام الأسد الابن، برعا في جمع الأوراق الإقليمية في جعبتهما بدواعي توظيفها في خدمة الممانعة. وظلا يحتفظان بها بين أيديهما، فينطلي كذبهما مرة على بعض الناس لكل الوقت، ومرة على كل الناس لبعض الوقت، حتى دقت ثورة الشعب السوري ساعة الحقيقة لتعري النظام أمام العالم أجمع، ولتؤكد أن ليس بوسعه أن يكذب على كل الناس كل الوقت.
جمع الأوراق شيء، ووجهة توظيفها شيء آخر. التجربة العملية، على مدى أربعين عاماً، كانت كافية للكشف عن هدف النظام السوري وراء احتفاظه لما بين يديه من أوراق؛ فلم تكن لشيء آخر غير إدامة النظام، شأنه شأن أي نظام دكتاتوري آخر. وظل يستخدمها لتوجيه رسالة إلى القوى الدولية النافذة، مفادها أنه الأقدر على خدمة هذه القوى في المنطقة، تؤهله لذلك أوراق توحي بالممانعة، مما يعطي النظام قبولاً شعبياً وفترة صلاحية أطول. فلطالما تطلع النظام السوري إلى دور عربي أكبر في منافسة محتدمة يصعب أن تكون لصالحه أمام ثقل مصر المستقر، وثروات دول الخليج النفطية، والعراق الذي ينافسه على زعامة الحزب والمسنود بزخم نفطي كبير أيضا.
من يبني دولة بوليسية تحميها أجهزة أمنية من أكثر الأجهزة التي عرفها العالم دموية، لن يكون ممانعاً لخدمة المصالح الوطنية العليا. ومن يقود تحالفاً غير شرعي بين السلطة والمال، لا يمكن أن يكون في صف الممانعة. ومن يضع مفاتيح الحكم بين يدي طائفة بعينها، هو أبعد ما يكون عن أخلاق الممانعين وسلوكهم. ومن يعد جيشاً كهذا الجيش الذي لم نره يقاتل العدو، وذهب إلى لبنان لكي يترزق، ويقتل من يخالفه الرأي، ويشتري العملاء من أمثال ميشال سماحة، هو بلا شك عدو الممانعة الأول. ومن يهيئ جيشه لكي يمعن في قتل شعبه كما لم يفعل جيش من قبل، يكشف عن أي ممانعة تم إعداد هذا الجيش لها.
في تونس، حمى الجيش شعبه. وفي مصر، حال الجيش دون شلال الدم الذي كانت لتسفكه زبانية النظام بدون أن يرف لها جفن. وفي ليبيا، امتص الجيش الصدمة ثم ما لبث أن التحق بالثورة، ولم يبق مع القذافي سوى كتائبه التي تشبه كتائب الأسد التي صنع منها جيشاً. وفي اليمن، انقسم الجيش على نفسه ولم يُتهم بقتل الناس إلا في حالات محدودة وفي ظروف ملتبسة. وحده جيش الأسد الممانع الذي أوغل في قتل شعبه وتدمير بلاده، وقصف المدنيين بالمدافع والصواريخ والطائرات.
وأغرب من أمر الأسد ونظامه أمر مؤيديه من المقتنعين بممانعته، الذين يصرون حتى الآن على تخيل مؤامرة كونية يقودها الغرب ضده. مع أن الغرب ما يزال يقف مكتوف اليدين أمام جرائم النظام، ويصم آذانه عن سماع صرخات الشعب السوري ومقاومته التي تندد يومياً بالموقف الأوروبي والأميركي لمنعه السلاح، وبخاصة النوعي منه، عن الجيش السوري الحر. والغرب بموقفه هذا لا يطيل فقط من عمر نظام الأسد ويمكنه من مضاعفة جرائمه بحق الشعب السوري، بل يفعل ما هو أخطر من ذلك؛ عندما يعطي المزيد من الوقت للمتطرفين من الأصوليين والإرهابيين للدخول على المقاومة السورية وإفساد مقاصدها.
لم يكن أحد ليتخيل للحظة أن جيشاً عربياً، مهما كانت شمولية نظامه الحاكم، يمكن أن يقوم بقتل شعبه وارتكاب أفظع الجرائم بحق بلده. لكن جيش نظام الأسد يفعلها بشراسة لا يجاريه فيها الجيش الإسرائيلي. وها نحن نرى الآن أي مهمة أعد لها الأسد جيشه: إنها الممانعة التي ما كان لأحد غير الأسد ونظامه أن يفكر فيها ويؤسس لها ويحميها على أرض الواقع، بكل هذه الفظائع التي لا تخطر إلا على بال مرتكبيها.

http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef2/article/31414/%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%B9%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%8A%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%87.html