حركة الأمان الأولى* – آرام طحان 2011

Article  •  Publié sur Souria Houria le 3 juillet 2012

حركة الأمان الأولى

آرام طحان 2011

ـ شلاح تيابك ولا حيوان..

رائحةُ الحموضة تفوح في المكان.. من شقوق البلاط والجدران، تفوحُ من مسامي.. يمتزج معها شعور عميق بالخفة… بخفة الروح… بثقلِ الجسد.. وشعورٌ برخاوة الحياة .

ـ شلاح تيابك ولا حيوان..

ينقطع خيطُ الرائحة، لكن رخاوة الحياة تبقى مستمرة.

أخلعُ ثيابي بسرعة.. أرتجفُ من قرصة البرد.

رائحة الموت الهابّةُ من كل البياض المحيط بي، تجعلُ شعر جسدي منتصباً، فأبدو بطوليَ الناحل كرأس مقشة الزبال.

ـ كلّ تيابك يا بغل….

أبتلعُ الشتيمة وأخلعُ ما تبقى من ثيابيَّ الداخلية…

ينتابُني شعورٌ حامض.

أنظرُ إلى عضويَّ المتكور على ذاته.. يزداد صغراً وخجلاً…ألمسُ شاربيّ الصغيرين.. أسترقُ نظرة إلى عينيّ سجاني، يختطفُ هو الآخر نظرة عابرة إلى عضوي.

 أحدثُ نفسي: « لا بد أنه رأى من الأعضاء ما يكفي هذا اليوم ».

ـ نزيل حركة أمان مرتين ولا..

أَرتبكْ. ألتفتُ إليه وقد صارت إشارة الاستفهام بحجم رأسي.

يزعقُ حانقاً:

ـ وجهك للحيط ولا…

يلسعُ كتفي المتجمد بخيزرانته الطويلة، ويبدأُ تعليمي حركة الأمان.

ـ حط أيديك ورا راسك يا دابة.. ونزيل لتحت.

أضعُ يديّ على رقبتي وأنبطحُ بصعوبة بطولي الفارع على الأرض…. فيلامسُ بطني لحم البلاط الزفر.

يغضبُ سجاني ذو العشرين ربيعاً، من غبائي ذي السابعة والعشرين، فيعفسُ بكعب بوط الرياضة الأبيض المهترئ على ظهري.

ـ قوم وقف.. كس أختك ما أبهمك.

أقفُ عارياً.. وعضويَّ يتأرجح بين فخذيّ مستسلماً.

 أتلقى صفعة غادرة، فأشعرُ بالحنق.

يعيدُ السجان العملية، يثبتُ يديَّ بأطراف أصابعه المشمئزة أعلى رأسي، ثم يصفعني مرة أخرى صفعة مدوية، وهو ينظرُ إلى عينيّ المذهولتين.

ـ نزيل ولا…

أنبطحُ مرة أخرى بسرعة، و أُلصقُ خدي بزفرة البلاط هذه المرة، فيلتصقُ أسفل بوط الرياضة بخدي الآخر..

يمرمغُ السجان قدمه فوق حاجبي، أُغلقُ عينيْ .. فأرى بالعين الأخرى التي انمعست فصارت نصف مغمضة، أرى عينا سجين آخر تكور عارياً في الممر ،ينظرُ إليّ بشفقة من تحت البطانية العسكرية البنية، ووراءه صف لا نهاية له من السجناء المقيدين.

ـ وقف ولا كر..

أقفُ عارياً مرة أخرى.. أخفضُ رأسي للأسفل .. لم أعد أرى عضوي الآن..

يمسكُ السجان رأسي ويضربه بالحائط عدة ضربات متوالية.. لا أشعر بشيء.. ثم في الضربة العاشرة أشعر رعباً متراكماً كالغبار الفظ . أستشعرُ غضب سجاني.

ـ ولا بهيم شو بتشتغل..؟

ـ أستاذ جامعة سيدي..

أقولُ بيني وبين نفسي : « كس أخت يلي خلاك سيدي ».

ـ أنت أستاذ جامعة!!؟ .. والله مبلط وزيادة عليك يا حيوان..بدك حرية يا أستاذ؟.. بدك حرية يا جحش؟ .. بدك حرية وحركة أمان ما بتعرف تعمل .. خدمت عسكرية ولا دابة؟

أجيبُ وقد جفَّ ريقي:

ـ لاء سيدي..

يتأملُ وجهي الذي فقدَ كل لون للحظة، ثم يزمجر:

ـ يلعن هالعيون الملونة متل عيون الحمار القبرصي ..

ينتفضُ فجأة.. يصرخُ بعنف ماسكاً حنكي من أسفله.

ـ بتحط أيديك ورا راسك .. وبتنزل كأنك عم تخرا .. فهمت يا جحش ..

أنفذُ ما قالَ ببطء وخوف.. أقعدُ كأني أجلس على حلقة التواليت… تؤلمني ركبتاي اللتان تحتملان ثقلي كله.

يأتيني صوته هادراً..

ـ نزيل لتحت كمان…

استجيبُ لأمره، فأركعُ على الأرض مرة أخرى سانداً جسدي على ركبتي هذه المرة، فيرفسني بوط الرياضة الأبيض على قفاي العاري الذي بات أشبه بقفا دجاجة ذبحت حديثاً.. فأحتضن الأرض مرة أخرى.

ينفذُ صبر السجان، فيهجمُ عليّ بكلِ يديه وكلِ قدميه.. ويوسعني ضرباً، ولا تهدأ نوبة جنونه حتى ينهضني وهو يعض أذني اليسرى.

 يديرني بعنف، فيرتطم رأسي بالحائط مرة أخرى.

ـ عميل متلي .. كس أختك بصرماية

أهزُ رأسي بسرعة موافقاً، متذكراً أختي الرقيقة ذات العيون الواسعة.

يضعُ يديه خلف رأسه وينزل القرفصاء، أقلده بسرعة، وأنزل للأسفل.

 في تلك اللحظة يخرجُ من غرفة مجاورة سجانٌ آخر، ينظر إلينا وهو يمصمص بصوتٍ عالٍ أصابعه الخارجة للتو من وليمة « بروستد » دسمة، فاحت رائحتها في المكان.

يتابعُ سجاني المقرفص دون أن ينتبه لخروج السجان الآخر:

ـ قح هلأ ولا ..

أسعلُ…. فأشعرُ بمؤخرتي وقد انفرجت عن نفسها.. ينظرُ إليّ سجاني بقرف استثنائي.

ـ فهمت هلأ يا بغل؟

ـ لعمى بعيونك ولا .. ما قلنالك هادا أستاذ جامعة لا تفتشو … بغل أنت ولا مستبغل؟

يخاطب السجان الثاني سجانيَّ الأول المنهمك في حركة أماني وهو يمصمص أظافره اللامعة.

 

ما إن نسمعَ صوته الرقيق الذي لا ينسجم إطلاقاً مع حجم جسده الدُبي، حتى نتجمد في مكاننا نحن الاثنين.

ـ وشو عم تعمل تحت معو؟.. عم تجرب حركة الأمان؟ .. مانك مطول تعملها.. لابقتلك ع فكرة .

ننهضُ معاً بحركة لا إرادية، وقد ساوى السجانُ « الدبُ » بيننا في نوبة غضبه الدسمة.

يلتفتُ إليّ… تلتقي عيوننا لجزء من الثانية ..  فأخفض رأسي.. نحو الأرض باستكانة.

ـ وأنت ولا خرا بدك حرية .. ؟

يدير جسدي بيده القذرة نحو الحائط، فأشعر بملوحة أظافره المائعة تسحُّ فوق كتفي العاري. يزمجرُ صارخاً:

ـ لبيس لشوف..

ألبسُ بسرعة البرق كلّ ثيابي… يضعُ السجان القيد في معصمي المربوطين إلى الخلف… يضعُ غمامة يغلق بها عيني فأشعر بسعادة  العتمة العارمة.. يعود بي  إلى زنزانتي… هناك في الممر إلى الزنزانة يستعيد عضوي حجمه الطبيعي تدريجياً، فيما يزحفُ خيطُ دم صغير من جبهتي نحو الغمامة البنية مخضباً عينيّ الملونتين.

* نشرت هذه القصة للمرة الأولى ضمن كتاب « صفاء يوم جديد » الذي تضمن مجموعة من الأعمال الأدبية الفائزة بمسابقة المركز الثقافي الدنماركي ومهرجان كوبنهاكغن الدولي للأدب ٢٠١٢