حزب الله: من البقاع و الى البقاع يعود – وليام حنّا

Article  •  Publié sur Souria Houria le 24 avril 2013

بقلم وليام حنّا – ٢٤ نيسان ٢٠١٣

hezbollah funeralsاذا كان من الأكيد أن حزب الله بدأ يدفع ثمن مشاركته في القتال الى جانب عائلة الأسد على الساحة السياسية اللبنانية و كان آخر تجلياته في قبوله بتسمية رئيس حكومة أعلن في أول ما أعلنه وقوفه الى جانب الشعب السوري، و مواجهته لجبهة جديدة في البقاع اللبناني فتحتها المعارضة السورية ردا على دوره في القتال الدائر على الأرض السورية، فلا بد الآن لهذا الحزب الذي يحارب  باسم ايديولوجية شيعية خمينية مهددا مستقبل اللبنانيين الشيعة و العرب في المنطقة العربية أن يدفع ثمن مشاركته في قمع الشعب السوري ضمن الطائفة الشيعية نفسها.

 

لست في هذه المقالة بصدد ادعاء حياد ما فلا مكان للحياد في الصراع الأخلاقي القائم في سورية و لست بصدد اخفاء قناعتي بأن فائض القوة في يد حالة طائفية متطرفة كحزب الله أفضى الى محاولته السيطرة على الحياة السياسية اللبنانية و تغيير مجرى الأحداث في سورية. تصرفات حزب الله ابتداء من العام 2005 و مرورا بالعام 2006 حيث تم توظيف الانتصار المعنوي في زواريب السياسة اللبنانية و الاقليمية الى  عام 2008 و أيامه المجيدة تدل على أن حزب الله كان على درجة من الثقة أقرب الى الغطرسة. هذه الثقة العمياء بالنفس هي التي أغرت قيادييه بالدخول في المستنقع السوري غير آبهين بعواقب هذا العمل الخطيرة. و ان كان برهان غليون (و الذي هاجمه حسن نصر الله) قد أشار لحزب الله بامكانية وجود طريق عودة من المستنقع السوري فهذا لا يدل الا على شهامة الرجل و غير واقعي.

حقيقة، قد فات الأوان على حزب الله و هو لم يفت على الشيعة العرب و هذا ما لم يخف على القيادات الشيعية اللبنانية و بعضها معروف بقربها من حزب الله. هؤلاء يعرفون أن حزب الله غدا ورقة مساومة سييضطر عرابيها الى بيعها قريبا قبل أن يبخس سعرها. و لم يخف عليهم أنه كما شكل حال طارئة في تاريخ اللبنانيين الشيعة ، فمصيره كتنظيم سياسي و عسكري الى زوال. لا بد حقيقة من التذكير بأن الفكر الديني و السياسي الذي يمثله الحزب اللبناني يشكلان انقطاع في تاريخ الشيعة العرب. نشأ الحزب في أوائل الثمانينات كترجمة لتزايد نفوذ الفكر الخميني و ما يسمى “بخط الامام” المؤمن بعقيدة ولاية الفقيه. كما أن فشل القيادات الشيعية العربية في تلبية مطامح تابعيها لم يكن الا أن يشجع تنامي نفوذ خط الامام أو حركة حزب الله و هو مصطلح، قبل أن يستعمل للدلالة على التنظبم اللبناني المعروف، استعمل للدلالة على هذه الحالة الشيعية الجديدة المرتبطة مباشرة بالحرس الثوري الايراني و التي تنادي بالغاء تعدد المرجعيات الدينية لصالح مرجع مطلق هو ولي الفقيه الذي يتمتع بالسلطتين الروحية و السياسية في حين أن العقيدة الدينية الاثني عشرية تقول بأن المرجع مولج بالشأن الديني حصرا. وفي حين اصطدمت هذه الظاهرة الجديدة بوجود حركات شيعية راسخة كالشيرازيين أو حركة الدعوة في دول الجوار الايراني و اندلاع الحرب بين ايران و العراق مما حد من تنامي نفوذها، كان الفراغ السياسي الذي خلفه خروج منظمة التحرير من بيروت و اختفاء موسى الصدر و اهتراء القيادات الشيعية التقليدية جعل من بعض الفئات الشيعية اللبنانية أرضا خصبة لتسويق اللأفكار الخمينية. طبعا، لم يكن من السهل على أتباع “خط الامام” و حزب الله من اطباق سيطرتهم على الطائفة الشيعية في لبنان فأفكارهم لم تكن مألوفة حتى في الأوساط المحافظة و يشهد على ذلك علاقتهم الشائكة بالعلامة محمد حسين فضل الله، حيث أن نقاط التلاقي السياسي في بعض المراحل لم تستطع تجاوز الخلاف الديني بين الطرفين. رغبة النظام الايراني في حصر المرجعية في شخص ولاية الفقيه و الغاء كل منافسة عربية المنشأ عمق الشرخ تدريجيا (يجدر التذكير بأن أبناء العلامة المتوفى رفضوا أن يرعى حزب الله التأبين لعلمهم بالخلافات العميقة بين الطرفين).  العلامة فضل الله لم يكن المنافس الوحيد لحزب الله، فهذا الأخير لم ينجح بفرض سيطرته على الجنوب اللبناني الا تدريجيا و موازاة مع تآكل نفوذ أحزاب المقاومة الوطنية اللبنانية (و التي لم يتوان حزب الله عن استهدافها لاحكام سيطرته على مناطق تواجد الشيعة و بالتواطؤ مع النظام السوري). ووحده الأخير، حد من جموح حزب الله في محاولة الغاء حركة أمل. انتهت الحرب، و الحزب لم يتمكن من تحقيق مبتغاه رغم نجاحاته قي مقاومة الاحتلال الاسرائيلي فصورته المتطرفة و جرائم الاختطاف لغربيين قد نشرت حالة من النفور بين عدد كبير من الشيعة حيال الحالة الخمينية.

خلال التسعينات سعى حزب الله الى تلميع صورته يقينا منه أنه الباب الوحيد لادراك مبتغاه في السيطرة علي الطائفة الشيعية و نجح بذلك الى حد كبير.وقد أفتى الخامنئي حينها بجواز مشاركته بانتخابات العام ١٩٩٢. حاول حينذاك تسويق صورة حزب مقاوم نزيه غير معني في تقاسم الساطة و منفتح على باقي الفئات اللبنانية. و استطاع من دون شك من خلال انتصاراته العسكرية كسب مزيد من الدعم ان كان داخل أو خارج الطائفة الشيعية. ساهم هذا التسويق (و الذي حلله البعض كأنه تحول نوعي في طبيعة الحزب من خلال مصطلح اللبننة) في التخفيف من وطأة الانقطاع الذي يمثله حزب الله من وجهة نظر اللبنانيين الشيعة.ابتداء من سنة الألفين بدأ الحزب الخميني بالتدخل بشكل أكبر في اللعبة السياسية اللبنانية و طمح الى اقتطاع حصة أكبر من السلطة عبر اختصاره للتمثيل الشيعي و كانت الانتخابات البلدية التي خاضها بمواجهة حركة أمل و اكتساحه لبلديات الجنوب دليل على هذه النية. وكان قبل ذلك قد أعلن نيته خوض الانتخابات النيابية في مواجهة حركة أمل في الألفين و حال دون ذلك تدخل النظام السوري. طبعا، ساعد حزب الله في اطباقه على الطائفة الشيعية اندحار الجيش الاسرائيلي و تردي صورة حركة أمل المنغمسة في الفساد و التصرفات المليشياوية. ان كانت شرعية الحزب المبنية على خطاب المقاومة و المصلحة الوطنية ساهمت في كسب تأييد الكثير من الشيعة و الللبنانيين فهو بدأ في العام 2005 بناء شرعيته من باب المذهبية منصبا نفسه حارسا لحقوق اللبنانيين الشيعة و قد نجح بذلك الى حد كبير. حتى الانتصار المعنوي في 2006 تم تجييره لهذه المصلحة عبر مخاطبة الغرائز و اهداء الانتصار “لأشرف الناس”.

العام 2005 و انتفاضة الاستقلال أجبرا حزب الله على كشف حقيقة مخططاته و التخلي عن استراتيجيته في هندمة صورته. الأولوية غدت في السيطرة على قرار الدولة اللبنانية من خلال تقديم نفسه كممثل أوحد للطائفة الشيعية (على أن يحتفظ نبيه بري بدور الوسيط الضروري). لم يتوان حسن نصر الله في 8 آذار 2005 مع حشد من مرتزقة النظام السوري في لبنان بوضع سلاح المقاومة بموازاة اتقاق الطائف قائلا أن أي مساس بسلاح المقاومة هو انقلاب على اتفاق الطائف (الذي لم يلحظ أي شيئ متعلق بسلاح المقاومة). بالمفردات اللبنانية، ما قاله حسن نصر الله يدخل السلاح في المعادلة الطائفية اللبنانية و يعني أن أي اعادة النظر بسلاح الشيعة ستنسحب عليها اعادة النظر بالمحاصصة التي أرساها اتفاق الطائف. و قد أوفى أمين عام الحزب بوعده حين أصدرت حكومة فؤاد السنيورة القرارات الشهيرة المتعلق بشبكة الاتصالات، أفلت الحزب ميليشياته في بيروت متحصنا بدعم الطائفة الشيعية له و مقدما نفسه كحام لحقوقها مستحصلا بدلك على الثلث المعطل عبر اتفاق الدوحة. الا ان صورة حزب الله كانت قد بدأت تهتز في بعض الأوساط الشيعية التي لا تؤيد حزب الله في خياراته.

 و قد ازداد هذا الاهتزاز مع تلاحق فضائح الفساد المتعلقة بمسؤوليه فضلا عن اقتران اسمه بالاغتيالات. كانت الصورة التي أراد حزب الله رسمها كحزب منفتح على باقي الطوائف و نزيه قد ذهبت الى غير رجعة و كما أن ابتعاده عن جبهة القتال مع اسرئيل منذ 7 سنوات جعل من المقاومة رأسمال معنوي قد بدأ استنفاذه. التجميلات  التي فرضتها اللبننة و التي ساهمت في استقطاب الكثير من الشيعة قد بدأت تتلاشى. فهو لا يستطيع ادعاء النزاهة بعد الفضائح المتلاحقة، و غير قادر على اقناع أحد برفضه للطائفية فهو تحول من مدافع عن القضية الوطنية الى مدافع عن مصالح طائفية ضيقة. لكن، لنكن منصفين، أليست هذه صفات جميع الأحزاب الطائفية اللبنانية كما يتحجج غالبا مناصريه؟ حقيقة، ان كانت السنوات الأخيرة قزمت حزب الله الى حزب طائفي لبناني (ان تغاضينا عن ترسانته العسكرية و الأمنية)، فالأزمة السورية ستعيده الى حجمه الأول كممثل لحالة شيعية أقلوية مرتبطة  مباشرة بولاية الفقيه و منقطعة عن تاريخ الشيعة اللبنانيين و العرب. فضلا عن تهديد مصالحهم الاقتصادية، هو يأخذهم رهينة في صراع ليس لديهم مصلحة في أن يكونوا طرفا فيه. ان كان حزب الله يدعي محاربة اسرائيل فلن يقنع كثيرين بأوجهية انغماسه في المستنقع السوري، وان كان همه هو حماية الطائفة الشيعية كما ادعى خلال السنوات الأخيرة فكيف سيبرر زجهم في مواجهة ستكلفهم كثيرا؟ حماية القرى الشيعية على الحدود و المقامات الدينية في سورية هي بروباغندا ،على دناءتها، لن تشفي غليل الأمهات الشيعة اللواتي يتسائلن عن أسباب مقتل أبنائهن في حمص و دمشق و حلب. لن يطيل حبل الرياء و الكذب و لن يقبل أهالي البقاع الشيعة بحرب تضعهم على عداوة مع الأفق السوري الأوسع و مخالفة للتاريخ و الجغرافيا.  لا شرعية وطنية قائمة على العمل المقاوم و لا شرعية طائفية تزعم حماية الطائفة ستبرر بنظر اللبنانيين الشيعة تورط حزب الله في الصراع السوري. ان كان حزب الله نشأ في سهل البقاع، فهذا سيكون مثواه الأخير فخيار حزب الله لا يقيم أي اعتبار لمصلحة الطائفة الشيعية بل يخضع لاملاءات ولي الفقيه و بشكل حصري. لقد سقطت قناعات اللبننة التي سمحت لحزب الله باطباق سيطرته على الطائفة الشيعية.

المصدر: http://arabsthink.com/2013/04/24/حزب-الله-من-البقاع-و-الى-البقاع-يعود/