حين تفطن دمشق لمقتل عماد مغنية – معن البياري

Article  •  Publié sur Souria Houria le 28 septembre 2011

فطنت أَجهزة الأَمن الحاكمة في سورية، قبل أَيام، أَنَّ القياديَّ العسكري في حزب الله، عماد مغنية، قضى اغتيالاً على أَراضيها، ففي البال أَنَّ الجريمةَ وقعت قبل أَربعة أَعوام في دمشق، ووعدَنا وليد المعلم، في حينِه، بإِشهار نتائج التحقيق فيها في أَقرب وقت، وحتى الساعة لم يأْت هذا الوقت، وسرَت الشائعةُ أَنَّ إِسرائيل هي التي اقترفت الجريمة، وهذا مرجَّح، لكنَّ السؤال ظلَّ باقياً عن أَيِّ حرجٍ تجد تلك الأَجهزةُ الحاكمةُ نفسَها فيه إِذا ما أَعلنت نتيجةَ تحقيقٍ مثل هذه، موثقةً بدلائلَ بيِّنة، كأَنْ يُؤتى على أَسماءِ عملاءَ وجواسيس ومنفذين خططوا واقترفوا اغتيال الرجل. كان طبيعيّاً أَنْ يذيعَ قيلٌ وقال في المسأَلة، طالما أَن تلك الأَجهزة آثرَت السكوت والتناسي، وارتاحت إِلى شيوع أَنَّ حقيقة مسؤولية إِسرائيل ساطعةٌ كما الشمس، فلا يجوز التشكيك في البديهيّة هذه، وقد يُرمى من يَسأَل عن قرائن بقلَّةِ الوطنية ونقصانِ منسوب الأَخلاق لديه، فقد أَعلن السيد حسن نصر الله أَنَّ إِسرائيل، ولا أَحدَ غيرها، قتلت عماد مغنية، وتوعَّدَها بانتقامٍ سيجعلها تندم. ولا يجوزُ فيما الحال هو هذا أَنْ يُثار سؤالٌ أَمام هذه المُسلَّمة، عما إِذا كان نصر الله وزيراً للداخلية في سورية، أَم قائد حزب الله الذي يحقُّ لكل فردٍ فيه، وفي جمهورِه ومشايعيه، أَن يعرفوا الحقيقةَ كاملة، سيما وأَن الفقيد قائدٌ عسكري بارز ذو كفاءَةٍ جهاديةٍ استثنائية
هكذا، بعد يومٍ على إِظهار المقدم المنشق حسين هرموش على التلفزيون السوري، وضمن وجبات البثِّ المتواصلةِ لما ظلَّ يُقالُ إِنها اعترافاتُ إِِرهابيين جنَّدتهم عصاباتٌ مسلحة لقتل أَفراد الجيش والأَمن والمدنيين، وبعد أَن سمعَ نظارة التلفزيون المذكور من أَحد هؤلاء حديثَه عن حبوبِ هلوسة أُعطيَت لهم ليتناولها أَهل حماة في الساندويشات لكي يتظاهروا، وبعد أَن سمعوا عن أَموالٍ تزوَّد بها هؤلاء « المعترفون » من لبنان والأُردن والسعودية، وعن خرّافيات كثيرة، في وجبات البثِّ اليومي هذه، جاءَ اعتراف طالبٍ فلسطيني يدرس في جامعةٍ سوريةٍ بتجسُّسِه لإسرائيل، وبأَنه ساعد قتلة مغنية في إِرشادِهم إِلى سيارته في مقابل أَلف دولار. وبعيداً عن صدق هذا الشاب أَو كذبه، فإِن مسلك السلطة السورية شائنٌ جداً، حين تستخدمُ دم عماد مغنية في لحظةِ ضعفِها المريع الراهنة، وفي الدعايةِ السوداءِ التي ترتكبُها للتشنيعِ على الثورةِ التي اندلعت على جورِها وفسادِها. فالقياديُّ الراحل، بمكانتِه الخاصّة في المقاومةِ اللبنانيةِ المجاهدة، وقبل ذلك وبعدَه، باعتباره آدمياً له حقوق البشر الطبيعية، يستحقُّ إِشهاراً واضحاً لكل الحقائق المتصلةِ بجريمةِ اغتياله. ولا نُعيِّرُ السلطةَ المذكورة، هنا، بأَنها لم تستطع تأْمينَ الرجل وحمايتَه، وبأَن في وسع جواسيس إِِسرائيل وأَصابِعها أَنْ يستخفّوا بالسيادة السورية، كما يشاءون، بل نُطالبها بمقاديرَ لازمةٍ من الأخلاق، في مسألةٍ شديدةِ الحساسية، فلا تعبث بدمِ عماد مغنيّة بالشكل الرخيص، والمحزنِ في كل الأَحوال، كما تبدّى أَمام نظّارة تلفزتها، ولا تستثمرُه وسيلةً تُسعفها في إقناع العوامِّ بأُزعومةِ استهدافِ سورية الممانعة والمقاومة، في المؤامرةِ المستمرّة ضد شعبِها وجيشِها ووحدتِها، على ما تصفُ الثورةَ الشعبية، الظافرة إِن شاءَ الله قريباً
لا يستحقُّ لبنانيُّ أَو سوريٌّ أَو عربي أَنْ يعرفَ حقيقة مقتل مغنية، وحقيقةَ مقتل العميد محمد سليمان الذي كان مستشاراً للرئيس بشار الأَسد، وقضى برصاصٍ أُطلق عليه فيما كان في البحر، وقيل، والله أَعلم، ما قيل بشأْن هذه الجريمة. لا مدعاة لأَيِّ تحقيقٍ في الواقعتين وأُخرياتٍ كثيراتٍ غيرِها، تُبادر إِليه السلطةُ الغاشمة في دمشق، كما تفعل أَيُّ سلطةٍ في أَي بلد. وفيما لم يَعد يُفاجئ هذا أَحداً، تطلع علينا وزارةُ الداخلية السورية ببيانٍ في اليوم التالي على الاعتداءِ السافل على رسام الكاريكاتير علي فرزات، يقول إِنَّ تحقيقاً بدأَ في الحادثة، وبعد مضيِّ نحو شهرٍ، يُصرح الفنان المعروف أَن أَحداً من السلطةِ لم يسأَله شيئاً عن أَيِّ شيء. ويحتاجُ المرءُ إِلى أَرطالٍ من البلاهةِ ليُصدِّقَ أَنَّ التحقيقَ المعلن عنه يتمُّ إِجراؤه، وستُعلن نتائجُه على شاشةِ التلفزةِ المتخصّصةِ ببثِّ حلقات اعترافاتِ الإرهابيين، والذين يسهلُ القبض عليهم، بعد أَنْ جنَّدتهم جماعة الإخوان المسلمين وتنسيقياتُ المتظاهرين وتيار المستقبل والمخابرات التركية ومجموعات أُردنية وأَفراد سعوديون و… . وليس منسياً أَنَّ فرزات قال، يوم العدوانِ الوحشيِ عليه، إِنَّ من ضربوه أَبلغوه أَنهم يُعاقبونه على ما يقولُ ويرسم عن « أَسيادِه »، فالمتهمون معروفون وكذلك المحرضون، فالقصاصُ يكون بالضرورةِ من السلطة الأَمنية الحاكمة ورجالاتِها وشبّيحتها.
يُؤتى على البديهيّة هذه، المتصلةِ بالاعتداءِ على فرزات، للتأْشير إِلى كاريكاتوريةٍ رديئةٍ في إِعلان السلطةِ عزمَها إِجراءَ تحقيقٍ بشأْن هذه الجريمة، وهي التي لم تُشْهِِر تحقيقاتٍ بشأن جرائمَ ملغزة احتاجت إِلى استخباراتٍ وأَجهزةٍ وجواسيس ومحترفي قتل، كما اغتيال عماد مغنية ومحمد سليمان، صدوراً عن عقيدةٍ متوطنةٍ لدى هذه السلطة، ترى أَنّها وحدَها المنوطةُ بمعرفة الحقائق، وليس عوامّ الناس الذين قد يعرفون من برقية أميركية في « ويكيليكس » أَنَّ خمسة وعشرين نزيلاً قضوا في سجن صيدنايا، ذات توترٍ واشتباكٍ فيه قبل ثلاثة أَعوام. ولذلك، يحتاجُ المرءُ إِلى أَنْ يُقيلَ عقله، إِذا تسلل إِليه ظنٌّ أَنَّ المعترفين، على التلفزيون، بالتسلح والقتل وقبض الأَموال سيُقدَّمون إِلى محاكم، يترافعُ عنهم وضدَّهم محامون ومدعون، فتنجلي الدلائلُ والقرائنُ والشواهدُ على ما اقترفوه من جرائمَ بحقِّ البلاد والعباد. لا مدعاةَ لمثل هذه البدعةِ التي تضيعُ الوقت، وهذا يمكنُ اختصارُه في وجباتِ بثٍّ تلفزيوني، متنوعةِ الإِحالات إِلى مخططين متنوعين، وذوي أَغراضٍ تستهدفُ منعةَ سوريّة في تصدّيها للمشروع الصهيوأَميركي في المنطقة، وهي الداعمةُ للمقاومةِ في لبنان وفلسطين. هذا التخريفُ أَجدى بأَنْ يُلتفتَ إِليه، في ظنِّ الأَجهزة الحاكمة في دمشق ووهمِها، وليست الحقائق التي يُضيئها أَيُّ تحقيقٍ في أَيِّ جريمة، اغتيل فيها عماد مغنية مثلاً، أو نزَّ فيها الدم من أَصابع علي فرزات، شافاه الله وحماه، مثلا آخر وليس أَخيراً

في المرصاد – سبتمبر 24، 2011

http://www.filmirsad.com/opinions/حين-تفطن-دمشق-لمقتل-عماد-مغنية