خدّام ورميم العظام – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 4 mars 2013

لا يسكت يوماً أو اثنين، أو أسبوعاً في المدى الأقصى؛ إلا ويكسر الصمت، فيخرج على الناس شاهراً تصريحات دراماتيكية، جوفاء، ذات ضوضاء عالية، والقليل من المعنى، والكثير من قلّة المصداقية، بالنظر إلى ماضي القائل. يقول، مثلاً، إنّ بشار الأسد ‘فاقد البصر والبصيرة، أو أنه تلقى تعليمات إيرانية يلقيها نيابة عنهم للشعب السوري وللمجتمع الدولي’؛ وانظروا إلى مغزى الـ’أو’ هنا، التي تكاد تقلب طرفَيْ التصريح، رأساً على عقب! ثمّ يقول، في مثال آخر: ‘السفاح لا يحقّ له أن يتكلم عن الشعب السوري، بشار دمّر سورية وهجّر السوريين’؛ فيخال المرء أنّ القائل أحد ضحايا النظام، ممّن اضطُهدوا أو سُجنوا أو عُذّبوا. أو، حين يكتب إلى رؤساء الدول العربية، فيشكو ضمناً من استبعاده (ما يسمّيه ‘اعتماد نهج الإقصاء والتمييز لقوى وشخصيات مدنية وقوى عسكرية لها وجودها في الساحة السورية’!)؛ ويغمز من قناة الائتلاف الوطني، الذي ‘أدى الى مزيد من الخلافات في الساحة السورية’.
إنه عبد الحليم خدّام، نائب الرئاسة السورية منذ عام 1984 وحتى العام 2005 والمنقلب بقدرة قادر إلى ‘معارض’ مطالب بالتغيير الديمقراطي، لا يــــكلّ عن ـ ويصعب، استطراداً أن يملّ من ـ التذكير بأنه النائب سابقاً، والبعــــثي دائماً وأبداً.
ولولا أنّ الأمر يشمل، أيضاً، سلسلة مفارقات مريرة تخصّ عذابات الشعب السوري تحت نير سلطة الاستبداد والتوريث والفساد والنهب والطيش والمغامرة والعبث بأقدار البلاد، فضلاً عن تدمير سورية اليوم، وإخضاع شعبها لحرب وحشية لا توفّر البشر ولا الحجر؛ فإنّ المرء كان يحقّ له أن يضحك طويلاً، كلما أطلق خدّام تصريحاً جديداً، فلا يزيد إلا نغماً نشازاً في الطنبور الرديء إياه.
يُضحك، مثلاً، أنّ خدّام يستهوي طرح أســــئلة على رفاقه البعثيين، تنتهي إلى تبرئة الحزب من كلّ مسؤولية عن حال البلاد الراهنة التي أوصلها إليها ‘نظام استباح كل المحرمات وانتهك كل القيم’، وكان من طبائعه ‘إلغاء الحياة السياسية وتعطيل دور المؤسسات الدستورية وتجاوز القوانين لأن كلمته هي القانون، وارتكاب المجازر حفاظاً على سلطته وعلى وحدانيته، ونشر الفساد وزرع الخوف’! وخدّام يسأل: ‘هل الحزب هو الذي أجاز لرئيس النظام حافظ الأسد أن يطلق أيدي أسرته في البلاد وأن يجيز لها ممارسة الفساد؟’؛ وأيضاً: ‘هل الحزب الذي أجاز لرئيس النظام بشار الأسد إصدار القوانين والقرارات والتوجيهات لتمكين أسرته من إحكام سيطرتها على الاقتصاد الوطني وعلى المؤسسات والمرافق العامة؟’؛ وكذلك: ‘هل الحزب هو الذي أجاز لرأس النظام مصادرة الحريات وممارسة القمع وتعطيل الحياة السياسية وتزوير المؤسسات والتحكم بالمنظمات الشعبية والنقابية؟’؛ وأخيراً: ‘هل الحزب هو الذي أجاز لرأس النظام أن يغرق في أوحال الفساد في الوقت الذي لا يجد فيه معظم المواطنين لقمة العيش؟’…
والحال أنّ المرء، مستنداً إلى حقائق التاريخ الراسخة البسيطة، يستطيع الإجابة على جميع الأسئلة السابقة بـ ‘نعم’، واحدة واضحة كافية وافية، حتى إذا شاء أن يحفـــــظ للجدل كلّ الهوامش المشروعة التي تشير إلى أنّ حزب البعــــث لم يكن المسؤول الأوحد عن تلك الكوارث.
فأين كان البعثيون الأشاوس حين شهد العالم بأسره مهزلة انعقاد مجلس الشعب السوري، على نحو كرنفالي أقرب إلى استعراض السيرك منه إلى أيّ اجتماع بشري، من أجل تعديل المادة 83 من الدستور لكي تلائم توريث بشار الأسد، بعد ساعات معدودات على وفاة أبيه؟ بل أين كان هؤلاء الرفاق أنفسهم حين أصدر شيخهم الأعلى مرتبة آنذاك، خدّام دون سواه، القانون رقم 9 تاريخ 11/6/2000 القاضي بتعديل المادة 83 ليصبح عمر رئاسة الجمهورية الدستوري مطابقاً لعمر الوريث آنذاك (34 سنة)؛ إلى جانب ترفيع الأسد الابن من رتبة عقيد إلى رتبة فريق، دفعة واحدة، وتعيينه قائدًا عامًا للقوات المسلحة؟
وأين كان البعثيون في المؤتمر القطري التاسع الذي انعقد بعد أيام معدودات على هذا الكرنفال، لا لكي يتخذ توصيات سرعان ما اتضح أنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت به (كالنصّ، في الحياة السياسية، على ‘الحاجة إلى تطوير النهج الديمقراطي القائم بصورة تتعزز معها الجبهة الداخلية، وتتحقق مشاركة أوسع فعالية وجدية للجماهير، وتنشط الحياة الحزبية، وتضمن الحريات العامة التي كفلها الدستور والقانون بما في ذلك حرية الرأي والتعبير!’؛ بل لكي يتخذ قرارين اثنين هما الأهمّ، كما يعترف الحزب ذاته في موقعه الرسمي: ‘اختيار الرفيق الدكتور بشار الأسد قائداً لمسيرة الحزب والشعب’، و’انتخاب الرفيق بشار الأسد أميناً قطرياً للحزب’؟
ورغم أنّ عدداً من أشاوس المعارضة السورية اليوم، في ‘المجلس الوطني’ كما في ‘هيئة التنسيق’ وسواهما، ساروا في ركاب خدّام، سرّاً غالباً، حين ‘انشقّ’، أواخر 2005؛ فإنهم تخلوا عنه سريعاً، وصار نموذجاً نادراً على شخصية لم تجبّ لها الانتفاضة ما تقدّم من آثامها، كما فعلت على نحو أو آخر مع أمثال رياض حجاب أو مناف طلاس. طريف، مع ذلك، أنه أوّل مَنْ يعي الرَّمة التي حاقت بعظامه، وموبقات تاريخه القريب والبعيد؛ ولكنه لا يكفّ عن التذكير بأنه النائب، أمس والآن وغداً!

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\03qpt998.htm&arc=data\2013\03\03-03\03qpt998.htm