شبيحة في غزة! – عيسى الشعيبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 août 2011

لأننا نعرف بالتجربة الشخصية والمعاينة عن كثب مدى سطوة النظام القابض على رقاب العباد ومقدرات البلاد في الديار الشامية، ونعي كذلك رهبة نحو خمسة عشر فرع مخابرات تتحكم بحياة الناس من دون أدنى مساءلة، فقد كنا ننصف أحياناً الصامتين على المجزرة المتنقلة درءاً منهم لتهمة الضلوع في المؤامرة، ونتفهم إلى حد ما حيادية بعض الحلفاء والأتباع والمناصرين، ونتقبل بشق الأنفس لغتهم الملتبسة إزاء المجريات المتفاقمة، خصوصاً إذا كانوا من الفلسطينيين المقاومين واللبنانيين الممانعين ومن لف لفهم. على مثل هذه الخلفية المتواضعة من المعرفة المسبقة، كنا نعي مبلغ الحرج الذي وقعت فيه جمهرة الفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق غداة اندلاع الثورة الشعبية السورية ضد النظام الجائر، وكنا نلتمس لها الأعذار، ونشفق على قادتها المطالبين بتسديد فاتورة الإقامة هذه الساعة، وأداء القسط المؤجل من ثمن الاحتضان الطويل والرضاعة. وكنا فوق ذلك نتفهم مجاملاتهم السياسية للنظام المأزوم، ونثمن سكوت بعضهم وامتناع الأكثرية بينهم عن التعقيب على مآلات الأزمة الدامية، حتى لا نقول السرور بانسحابهم من المشهد تماماً.
غير أنه عندما وصلت قذائف الدبابات وصواريخ الزوارق الحربية إلى مخيم الرمل على شاطئ اللاذقية، وجرى تشريد الآلاف، وسقوط عدد من اللاجئين الفقراء، حدث ما لا يقبله عقل ولا يرتضيه وجدان، حين هبت بعض تلك الفصائل، لا لنصرة الضحايا والشد من أزرهم، وإنما لتكذيب الواقعة من أساسها، والرد على « افتراءات » وكالة الأونروا ومنظمة التحرير والتنسيقات عما جرى في المخيم المنكوب، فبدت تلك الفصائل على هيئة أولئك الفتية المساكين، الذين يدلون على الشاشة السورية مكرهين باعترافات مكتوبة لهم عن المندسين والعصابات الإرهابية التي تطلق النار على الجيش والمواطنين معاً.
ولم يتوقف الأمر عند حدود الانصياع لتعليمات النظام القمعي المتوحش الصارمة، وتبرئته من الجرائم المرتكبة داخل مخيم الرمل وفي محيطه الواسع، بل تعداه إلى ما هو أشد مضاضة على النفس، وأثقل على الضمير الوطني، حين لجأ بعض الذين استحسنا صمتهم في دمشق وثمّنا انسحابهم السياسي من المشهد كله، إلى قمع وقفة احتجاجية صغيرة جرت في غزة، مماثلة لمظاهرة أكبر حدثت في رام الله، تضامناً مع مخيم الرمل ومع الشعب السوري المطالب بحريته، حيث تعرض المتضامنون الغزاويون إلى الضرب والاعتقال والإهانة والسب بأقذع الألفاظ النابية، في محاكاة سقيمة لأخلاقيات الشبيحة ومسلكياتهم المدانة.
رحت وأنا أقرأ الخبر ثم أعيد قراءته تحت شعور شديد بالخجل والرغبة في عدم التصديق، أتساءل ما الذي كان يضير القوم فيما لو أن وقفة التضامن مع الأشقاء وأبناء العم في سورية مرت بسلام من ساحة الجندي المجهول في ليل غزة، ثم نأى فرع الإخوان المسلمين القابض على زمام الأمر في القطاع المحاصر بنفسه عن هذه اللفتة التضامنية المتواضعة مع إخوان آخرين منتفضين في اللاذقية؟ هل كان من شأن ذلك مثلاً أن يصادق على صحة اتهامات الآنسة بثينة شعبان للفلسطينيين بالتورط في أحابيل المؤامرة الخارجية على دولة الممانعة؟ أم أن هذا السلوك القمعي الوضيع يقطع الطريق على الرابط الذي أقامه رامي مخلوف بين الأمن في سورية وصنوه في الدولة العبرية؟

المصدر: http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef/article/26635.html