ظاهرة الاستعمار الوطني: التهام الـ «نحن» – محسن خضر

Article  •  Publié sur Souria Houria le 11 septembre 2011

كيف تتحول مجموعة من أبناء الوطن إلى خونة في الخطاب الرسمي؟ كيف استباحت النظم الوطنية في دولة الاستقلال حيوات مواطنيها المشاغبين وأجسادهم، فأشبعتهم تعذيباً واعتقالاً وقتلاً أحياناً تحت دعاوى مختلقة، وبحجة الحفاظ على المسيرة الثورية وحماية أمن الثورة؟

تحول المعارضون والمتمردون في دولة الاستقلال إلى كلاب ضالة وجرذان وطابور خامس وقوى الرجعية العربية. لا فارق بين ممارسات الاستعمار الأجنبي والأنظمة الوطنية والمعارضة، إذ انتهج الجميع الممارسات الوحشية نفسها ضد معارضيهم، وهو يختزن في دلالته ميراثاً هائلاً من العنف والوحشية، ومع تغييب نظرية للإنسان تحوله من مفهوم فلسفي ورمزي إلى واقع حي يتمتع فيه الفرد بحقوقه الأساسية في الحياة وفي مقدمها حق السلامة والأمن الشخصيان

وليست أمثلة إعدام خميس والبقري في مصر، وقضاء شهدي عطية نحبه تحت التعذيب، وإسالة جسد المهدي بن بركة في المغرب، ونحر عبدالسلام عارف في العراق، واغتيال كمال جنبلاط في لبنان، وشق حنجرة هتيف الثورة السورية إبراهيم القاشوش، وحرق يد الصحافي اللبناني سليم اللوزي في حمض الكبريتيك المركّز قبل إعدامه، إلا أمثلة في قمة جبل الوحشية التي تعاملت الأنظمة الوطنية مع خصومها بها

ألم يعدم النظام الليبي طلاب الجامعة في بنغازي أمام أعين أهاليهم بسبب تظاهرهم ضد بعض ممارسات النظام؟ أي عقلية شريرة وضعت مخطط «موقعة الجمل» إبان ثورة 25 يناير المصرية للقضاء على المحتجين، وشاركت فيها أركان الدولة نفسها؟

التعبير المبدع للمفكر المصري أنور عبدالملك حول ظاهرة «الاستعمار الوطني» يقترب من توصيف فرانزو فانون لها في كتابه «المعذبون في الأرض»، وهو العنوان نفسه الذي اختاره طه حسين لكتابه

كان أنور عبدالملك يشير إلى استنساخ الدولة الوطنية، دولة ما بعد الاستقلال، لممارسات الاستعمار الأجنبي أثناء حقبة الاحتلال ضد أفراد الحركة الوطنية من تعذيب وتصفية، وليس بعيداً منا حادث دنشواي الذي أعدم فيه وجُلد وسجن فلاحون مصريون طاردوا جنوداً بريطانيين أشعلوا النار في المنازل والحقول وهم يصطادون الحمام، وقضى أحدهم بضربة شمس، وهو الحادث الذى اتخذه الزعيم الوطني مصطفى كامل دافعاً لشن حملة إعلامية كبيرة في أوروبا ضد ممارسات الاستعمار البريطاني في مصر

أهملت الدولة الوطنية المستقلة احتضان أو إرساء تقاليد قوية في حقوق الإنسان، وبينما راكمت خطاباً وطنياً مهماً في التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية والتنمية المخططة، فإنها لم تهتم بمراكمة خطاب مماثل تجاه حقوق الإنسان، وانطلقت حقبة مماثلة من تصفية خصومها في الداخل والخارج، ولم تقتصر على الدولة الوطنية بل امتدت إلى فصائل المقاومة الفلسطينية، والتي تعد أشرف ظاهرة أفرزها الكفاح العربي المعاصر

لم تختلف النظم الجمهورية والملكية في هذه الممارسات اللاإنسانية ضد خصومها

وسوف يؤكد إدوار سعيد هذه الظاهرة، ظاهرة الاستعمار الوطني، عندما اعتبر أن لا فارق بين استبدال الشرطي الأجنبي بالشرطي الوطني، منبهاً إلى ضرورة تطوير الوعي القومي بمضمونه العصبوي إلى وعي اجتماعي يساهم في بناء مجتمع مدني متحضر ركيزته الثقافة

عندما ترفع النظم الوطنية والمعارضة شعار «الإنسان أولاً»، يمكننا أن نتجاوز هذا العصاب الوطني

نظرة سريعة إلى ممارسات النظم الوطنية في ليبيا وسورية والسودان والعراق واليمن تؤكد التحليل السابق

وعندما يهدأ دوي المدافع في ليبيا سنكتشف فظائع ممارسات الكتائب والثوار ضد بعضها بعضاً، وكيف استهانت بالتقاليد الإسلامية والإنسانية في معاملة أسراها. أما سورية فهي الدرس النموذجي الأكبر مزاحمة للممارسات الوحشية للنظام العراقي الذي ورث نظام صدام الشرس في التمثيل على ممارسات النظم الوطنية ضد خصومها، ومستحقاً وصف «الاستعمار الوطني» بامتياز

الحياة – السبت ١٠ سبتمبر ٢٠١١

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/305648