عاصم الباشا: أفرجت الثورات العربية عن القلق المطمور في النفوس والنظام منع الحلم فضمرت أجيال بكاملها – صبر درويش

Article  •  Publié sur Souria Houria le 3 janvier 2014

لم يتردد النحات السوري عاصم الباشا في الانضمام إلى ثورة شعبه منتصف آذار /مارس 2011، ودعمها بكل السبل الممكنة، بخلاف الكثير من المثقفين والفنانين السوريين الذين ما زالوا يتساجلون حتى الآن حول توصيف ما يجري في بلدهم.
وقد يكون من الغريب أن نخوض حواراً سياسياً مع فنانٍ ارتقى إلى مستوى العالمية كحال الباشا، ونبتعد عن الحديث حول الفن والنحت.. إلا أن ما يحدث فيسوريا اليوم يجعل من كل شيء سياسيا بامتياز.
مبكراً غادر الباشا سوريا، واختار المنفى الطوعي، كان يحلم بسوريا الوطن عندما أنهى دراسته وعاد إلى ‘البلد’، ليفاجأ بسوريا الأسد، حيث كانت تماثيل الأسد الأب تجسم على كل خلية من روح السوريين؛ يقول الباشا: ‘ جاءت ملاحقة القصر الجمهوري لي لإنجاز تماثيل ‘القائد إلى الأبد’! تلك هي الكوة الوحيدة التي فُتحت أمامي كنحّات. كانت الملاحقة ملحاحة (حملت التهديد الضمني التقليدي في نظام كهذا) وحملت عروضا مالية مغرية للغاية. قرّرت مع زوجتي ضرورة الرحيل. كان ذلك سنة 1987.. وما زلت حتى الآن في المنفى الاختياري’.
أغلقت عقود حكم الأسد كل أفق للإبداع في المجتمع السوري، فانحطت الثقافة ومعها الفنون، ودخل المجتمع في مرحلة تخلف قد لا يشبهها شيء سوى سنوات الحكم العثماني ربما؛ الفرد بصفته فاعلاً اجتماعياً سيضمحل تحت وقع الطغيان، وستضمحل معه القدرة على الإبداع والخلق، وسيحل عوضاً عن ذلك دمار ثقافي وأخلاقي وحتى جمالي على صعيد المجتمع ككل، ومن رفض الانصياع إلى هذه المعادلة- الجريمة، فضل الرحيل خارج حدود الوطن، يقول الباشا: ‘ربما حاول حزب البعث الحكم قبل سنة 1970، فما جاء بعد هذا التأريخ كان حكم عائلة عاثت في البلاد فسادا وإفسادا.. وطغيانا. انحدرت سورية وتراجعت عمّا كانت عليه في الستينات درجات كثيرة وليس في النحت فقط، بل في كلّ المجالات. يُقدّر عدد المغتربين المرغمين للبحث عن لقمة العيش في عهد آل الوحش بالملايين. فهل تعتبر بلدا يُجبر أبناءه على الهجرة بحثاً عن القوت بلداً قيد التطوّر؟ ثم أن أسباب الانهيار معروفة للجميع ويمكن اختصارها بذكر الأجهزة الأمنية الخادمة للنظام والعصابة التي استولت على مقدّرات البلد. ما من مجتمع أو شعب خال من المواهب، فهي تلد مع جميع الأطفال. الشرط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي هو الذي يسمح بتطوير هذه الموهبة أو تلك. لكنّ النظام منع الحلم! فضمرت قدرات أجيال بكاملها’.
على هذا الواقع المرير انتفض السوريون، وباشروا مرحلة التغيير خاصتهم، بحراك ثوري سلمي، ركز منذ اللحظة الأولى على شعارات الكرامة والوحدة الوطنية والديمقراطية، بيد أنه ووجه بعسف وقمع قل نظيره، فانحرفت ثورة السوريين، أو هذا ما بدا للكثيرين، وراحت تأخذ منحى آخر مختلفاً ليس أوله العنف الجاري على الأرض وليس آخره شبح الحرب الأهلية المخيم على المنطقة، بيد أن للباشا تصورا آخر، يقول: ‘هي لم تنحرف في جذورها. ما زالت الغالبية تطمح لحقّين بسيطين ومشروعين في كلّ الدساتير البشرية: الحرية والكرامة! مواجهة هذا المطلب بالقتل والاعتقال والتعذيب حتى الموت (كما حدث لأخي نمير) هو الذي جعل الشارع يضيف إسقاط النظام كمطلب إضافي في شعاراته السلمية. قلت باكراً، ربما منذ سنتين أن علينا ألاّ ننتظر مساعدة من أحد، فالجهات الأربع لا تريد نجاح ثورة تسعى إلى الديمقراطية، وكلّ جهة لأسبابها الذاتية واستجابة لمصالحها. وكل تلك المصالح تصبّ، بشكل أو بآخر، في خدمة إسرائيل. لست سياسياً محترفاً (كل إنسان يحمل رأياً سياسيّا بالضرورة) ولا محلّلاً سياسياً. أعتمد على قدر من الحدس وعلى ما أمكنني من العقل. تحريف وتشويه الثورة صنيعة النظام وحلفائه بمباركة من الغربوالجنوب. هي أسهل السبل لإحباط الثورة. وما أكثر المرتزقة في مجتمعات الفاقة والجهالة!’.
بيد ان ثورة السوريين لم تتوقف بعد ولما تصل إلى نهايتها، فيصعب التنبؤ وإطلاق الأحكام المسبقة حول مستقبل الصراع الدائر اليوم، فالسوريون يقاتلون على عدة جبهات، ويسعون إلى شق أفق يعيد المعنى إلى حياة أجيالهم المقبلة، يقاتلون على جبهة نظام الأسد الحاكم، الذي وضع السوريين أمام خيارين: إما بقاؤه وإما فناء البلد!، ويقاتلون على جبهة التطرف ومن يقف خلفه ويسعى إلى فرض استبداد بديل عن الاستبداد القائم، ويقاتلون على جبهة الفاسدين الذين تسللوا إلى صفوف الثورة.. ويحلمون ـ رغم ذلك- بغدٍ مختلف، يقول الباشا: ‘كلّ التجارب الثورية تمرّ بمراحل وحالات كمون. الفرنسية احتاجت لأكثر من 70 سنة حتى تحقّق شعارها الثلاثي. والثورة البلشفية سرعان ما أحبطتها الستالينية، فالثورة تولّد أعداءها أيضاً! أثمن ما يحدث بعد اندلاع الحالة الثورية هو الإفراج عن القلق المطمور في النفوس. شعب يضطرّ إلى العيش ساكتاً هو شعب مقموع بطغيان ما. ما من شكّ لديّ من أن المجتمع السوري بمكوّناته المتعدّدة التي تعني ثراءه وتميّزه لن يقبل قطّ استبدال استبداد بآخر ولو تقنّع بشعارات دينية. أجدني بين المتألمين المتفائلين، لأنني أعيش مع الزمن ولأجله، والزمن لا يعرف العودة’.

– عاصم الباشا : فنان سوري، ولد في الأرجنتين عام 1948 من أب سوري وأم أرجنتينية، درس الرسم في أكاديمية بويدو بوينس أيرس، والنحت في موسكو، كما كتب الرواية والقصة القصيرة، عاد إلى سوريا، وما لبث بعدها أن هاجر إلى إسبانيا، وأقام هناك.