عباءة من لا يملك لمن لا يستحق – عيسى الشعيبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 20 février 2013

مع الاحترام الكامل لحق الآخرين في التعبير عن آرائهم وتظهير مواقفهم الخلافية بكل السبل المشروعة، لا أرى فيما أقدم عليه بعض النشطاء السياسيين المولعين بالنموذج السوري، رجساً من عمل الشيطان يستحق كل هذه الغضبة الشعبية الواسعة، لو أن هذه القلّة القليلة تحدثت باسمها، وتجنبت النطق باسم الأهل والعشيرة، ثم أهدت حاكم دمشق بعد ذلك دزينة من العباءات الفاخرة.
فهؤلاء الذين جدفوا بمركبهم الصغير ضد تيار نهر جارف، وجازفوا بالسفر إلى عاصمة الأمويين في هذه الأيام العصيبة، ليسوا عملاء أو شبيحة، ولا هم مرتزقة نظام يأخذ ولا يعطي حتى في أيام عزّه الغابرة، فما بالك وقد فرغت خزائنه، وبات لا يملك أكثر من تأمين استضافة لليلة واحدة في فندق مقفر، وتقديم وجبة طعام لا يملك الملايين من المهجرين عُشر أعشارها؟!
بداية، أحسب أن هؤلاء المعارضين الأشداء في بلدهم، المناهضين على طول الخط وبأعلى الصوت لكل شاردة وواردة بدون تحسب، يغبطون أنفسهم كثيراً على أنهم ليسوا مواطنين في بلاد سورية الأسد، أو قل جمهورية الصمت والخوف. وهم يحمدون الظروف الموضوعية على أنهم ليسوا من بلابلها الدوح، وإلا لما استطاعوا إبداء هذا التماثل هكذا مع أي مسألة قد يختلفون فيها مع حاكم مستبد، يرى أن من ليس معه فهو ضده.
وأحسب أيضاً أن لنا وبعض هؤلاء الذوات مشتركات وطنية وقواسم اجتماعية عديدة، ومرجعيات معرفية متطابقة، وربما تجارب شخصية متشابهة، وقيما عليا غير متصادمة؛ فما الذي يحمل هذا النفر إذن على إظهار كل هذا التضامن مع من تراه الأكثرية الكاثرة قاتلاً لشعبه؟ هل يشاهدون على شاشة التلفزيون ما لا نشاهد؟ وهل يرون ميزات نسبية، ويشخصون مناقب ومآثر تاريخية لعائلة الأسد، يعرفها هؤلاء حق المعرفة، ونجهلها نحن بالمطلق؟
ففي زمن الفضاءات المفتوحة، صارت الصورة هي أم الحقائق، وأصبحت الهواتف المحمولة أشد الأسلحة فتكاً بالرأي العام؛ فهل هناك بعد من يصدق إلى الآن أن كل هذا الدمار والموت ليس من صنع آلة قتل روسية-إيرانية؟ وهل هناك من يعتقد أن كل هذه الألوف المؤلفة من المقاتلين السوريين البواسل هم مجرد عصابات مأجورة؟ وهل هناك من يرى أن الحرية والكرامة والديمقراطية هي من مفردات المؤامرة الكونية؟
يقيناً أن اصحاب العباءة لا يشتهون العيش تحت حكم بوليسي فاسد، وأن الحاكم المستبد ليس قدوتهم ولا مثلهم الأعلى، فما الذي يفخرون به لدى الفتى الذي ورث المزرعة عن أبيه بما فيها ومن عليها دفعة واحدة؟ هل صولاته لتحرير الجولان مثلاً؟ هل مهرجو نظامه البرلماني ووحشية أجهزته الأمنية، أم منظومته القضائية البائسة، أم إعلامه الهابط الكاذب، أم اقتصاده المجير لصالح بطانة من الأصهار والأنسباء، أم هذا الأداء المخزي لجيش يتنمر في الداخل ويتأرنب أمام إسرائيل؟!
قد يقول قائل إنه نظام مقاومة؛ فكم مرة رد فيها على استباحة إسرائيل لسمائه؟ وقد يقول آخر إنه نظام ممانع، فما الذي منعه غير الحرية عن شعبه؟ وعليه، فما الذي يدعو أصحاب الرؤوس الحامية هؤلاء إلى الدفاع، بالطول والعرض، عن عصابة مافيا تحكم بقانون « إما الأسد أو نحرق البلد »؟ وكيف لنا أن نغض الطرف عن كل هذه الجرائم التي يأنف من ارتكابها قاتل مثل آرييل شارون، حتى إن دعا مقترفها إلى تحرير الجولان والاسكندرون، بل وبلاد الأندلس؟!
تبقى ضرورة التذكير بحقيقة أن العباءة التي يرتديها شيوخ العشائر وأعيان المدن ووجهاؤها في بلاد الشام، هي بحسب علمي صناعة سورية خالصة، أي إنه ليس لدينا « ماركة » أردنية مسجلة، وأن عباءات هذه الحقبة قد تكون صناعة صينية. وهو الأمر الذي جعلني استحضر المثل المتداول عن صاحب وعد بلفور، عمن أعطى ما لا يملك إلى من لا يستحق، وذلك حين فطنت إلى حقيقة أن البضاعة قد رُدت إلى منشئها، ولكن ليس إلى من يستحقها بالقطع.

http://www.alghad.com/index.php/crew/152724.html