عندما انشق « الفن التشكيلي » وانضم إلى الثورة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 octobre 2012

 

لوحة بعنوان نحيب جنائزي للفنان محمد عمران

« عمل جديد كل يوم.. صفحة مفتوحة لكل الفنانين السوريين والعرب، للتضامن مع الشعب السوري، مع الحرية، ضد العنف.. كل أشكال التعبير التشكيلية المعروفة مرحب بها… توقيع الفنان الصريح مطلوب، لأنه بحد ذاته فعل تضامن.. هكذا عرفت صفحة « الفن والحرية » « الفيسبوكية » نفسها، وليسجل لها أنها من أولى الصفحات التي أسهمت من كسر القيود عن أيدي الفنانين، عندما اشترطت على المشاركين فيها أن يمهروا أعمالهم بأسمائهم الحقيقة، فكانت المفاجأة في إقدام الفنانين السوريين على المشاركة متحدين الاعتقال.. ولا شك أن هذه الجرأة تعني تغيراً جوهرياً في المشهد التشكيلي السوري، الذي كان -باستثناء بعض التجارب المعدودة- بعيداً عن الملامسة المباشرة للحدث في الشارع، معتبراً أن الفن للفن.
 
 تحدثنا مع عدد من الفنانين الذين كانوا من أوائل المشاركين في صفحة « الفن والحرية » ليخبرنا كل منهم عن تجربته، وعن التغيير الذي لعبته الثورة في حركة الفن التشكيلي السوري.
 
الفن يسجل اللحظة السورية
 
أحدثت الصورة تغيراً ملموساً في مسرح الأحداث، وكانت الصور تنضج من حيث النوعية كلما نضجت الثورة، عن ذلك يقول الفنان ياسر الصافي: تحتل الصورة اليوم الحيز الأكبر في حاضرنا الثقافي، من خلال وسائط الاتصال الإلكترونية، التي كان لها دور في الهزات العميقة التي أحدثتها الثورات في عالمنا العربي.. ويضيف: التقط الشارع السوري مبكراً أهمية تلك الوسائط لإيصال صوته للداخل وللعالم، فكانت أشكال الاحتجاجات الشعبية متنوعة في إطار المرئي (الفيديو، الفوتوغراف،
اللافتات الساخرة، الغرافيتي…)، وأمام تلك التحولات لم يعد الفنان محايداً، فجاءت صفحة « الفن والحرية » استجابة لرغبة الفنانين بالتفاعل مع المحيط، ومن خلال وسيلة مشاهدة سهلة التداول عبر صفحات التواصل الاجتماعي « فيس بوك »، تقوم بدور مزدوج: تعميق الحوار البصري بين مختلف الشرائح، وإدانة التسلط السياسي وكل أشكال العنف الذي لحق بالمجتمع.
 
وعن التغير الذي يمكن أن تحدثه صفحة على « فيس بوك »، يقول الفنان أمجد وردة: بما أن « فيس بوك » أحدث فرقاً في العالم، وكان له دور في اندلاع ثورات الربيع العربي ، فإن صفحة « الفن والحرية » « الفيسبوكية » كان لها هي الأخرى دوراً في تشجيع الفنانين السورين على الانخراط بالحراك الشعبي، خاصة أنها كانت في وقت من الأوقات المنبر الوحيد، الذي يعرض معاناة الشعب السوري برؤية فنية.
 
ويلفت الفنان محمد عمران إلى وجود تعاطف جماهيري مع كافة الفنون المرافقة للثورة، وأن هذا الأمر الحسن، أحد إيجابيات الثورة.
 
رهبة النظام تهتز أمام ريشة الفنان السوري
 
تعتبر مشاركة الفنانين في صفحة الفن والحرية بأسمائهم الحقيقة كسراً لكافة السلاسل التي طالما قيد النظام بها أيدي فناني سوريا، ولهذه الجرأة حكاية تختلف عند كل فنان.
 
يقول الصافي: عصيان الثابت مهمة الفن المتحرر من أي رقيب يحد من طاقته اللامحدودة، فالقليل من الوجدان يكفي كي ينحاز الإنسان إلى صرخة الأطفال في درعا، وإلى المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والمساواة والعدالة، التي واجهتها السلطة بالرصاص والعنف المكثف، الذي أدخل البلاد في دوامة القتل اليومي (فعل ورد فعل) من بعض المجموعات المنفلتة من قيم الثورة، وهذا ما يجب إدانته بجرأة.
 
ويحكي الفنان أمجد وردة، عن تردده قبيل المشاركة: ترددت طبعاً قبل أن أرسل أعمالاً مسجلة باسمي للصفحة، وخاصة أني كنت رابع أو خامس مشارك،  غير أنني قررت المشاركة باسمي لأشجع غيري من الفنانين السوريين، فلا بد لأحد أن يخطو الخطوة الأولى، وكان الفنان يوسف عبد لكي بعمله الرائع « شهيد درعا » أول من قام بهذه الخطوة، وبعده تتالت المشاركات، وهكذا تشجعت.
 
ويضيف وردة: الشباب السوري يقدم الدم في الشارع، وأقل ما يمكن أن نقدمه نحن، هو اللون الأحمر على لوحة معنونة باسمنا..
 
الحرية.. حقلاً جديداً للمنافسة الفنية
 
لم يعد الفن السوري مسقوفاً، بحدود « بعثية » كما أراد له النظام أن يكون، فالحرية اليوم موضوع تدور في فلكه الفنون السورية، وتتحدث عن ثمنه (الشهداء) اللوحات التشكيلية، ويشير الفنان محمد عمران إلى أن الالتزام بشكل عام ليس بالشيء الجديد على التشكيل السوري، ولكن التناول للحدث السوري هو الأمر المستحدث: الفن الملتزم هو حالة غير طارئة على التشكيل السوري، غير أن المواضيع اليوم هي سورية بحتة، واعتقد أنه من الواجب على التشكيلي في هذا الظرف أن يدون ما يحدث بطريقته الخاصة.
 
ومن جهته ينوه الفنان ياسر الصافي إلى أهداف العمل الجماعي الفني المتمثلة في تطوير قواعد الالتقاء الفكري والحضاري، وفتح نقاش يتناول المعوقات المحيطة بالإبداع (دينية، سياسية، اقتصادية).. ويتابع مبيناً ما خلقته الثورة من علاقة فنية مجتمعية جديدة: هناك علاقة جديدة بين الفنان والمجتمع، فرضتها الأسئلة المصيرية للواقع الدامي في سوريا، حول الدور التفاعلي للفنان كفاعل في إعادة المنظومة الأخلاقية التي دمرتها الأنظمة الديكتاتورية، وما نتج عنها من خراب روحي عميق، ويشرح الصافي: الالتزام هنا ليس أيديولوجياً أو عقائدياً لتأطير القلب والعقل، كما لحق بجزء كبير من الرسم العربي لفترة طويلة في التاريخ الحديث، والذي حددته المؤسسات الرسمية على مقاس خطابها التعبوي، من دون الانتباه لأهمية النزعة الفردية، والتي هي سبب لكل ابتكار؛ فلا توجد مشكلة في معالجة الرسم للمضامين الاجتماعية والسياسية بشرط أن تعالج وفق رؤية فنية مستقلة.
 
ويتفق الفنان أمجد وردة، مع وجهة ياسر الصافي، مشيراً إلى أن الشبكة العنكبوتية، وما يدور في فلكها من مواقع للتواصل الاجتماعي، وعلى رأسها « فيس بوك » شكلت منبراً حراً للفنانين الشباب السوريين، الذين تنعدم مثل هذه المنابر في وطنهم، ليقدموا فيه
وجهات نظرهم حول ما يدور من صراع على أرضهم.. ويضيف: الصفحات الإلكترونية قدمت خدمة كبيرة للفن التشكيلي السوري، إذ حررته من قيوده النمطية.
المصدر: http://www.zaman-alwsl.net/readNews.php?id=30212الفنان