عن المواطنة في سورية – حسان عباس

Article  •  Publié sur Souria Houria le 10 août 2011

في عام 2009 قمت باستطلاع بسيط بين أربعين طالب جامعي طلبت منهم فيه الإجابة على سؤالين: 1: هل تعرف ما هي المواطنة؟ 2: كيف تعرّف المواطنة؟ وكانت نسبة الإجابة على السؤال الأول 100% بنعم، نعرف ما هي المواطنة. أما الردود على السؤال الثاني فكانت تدور بشكل عام حول تعريف المواطنة بأنها: “محبة الوطن”.

وبقدر ما تفرِح نتيجة السؤال الأول لما تحمله من تعبير عن وطنية راسخة، بقدر ما تحبط نتيجة السؤال الثاني لما تعبر عنه من جهل في معنى المواطنة.

فالمواطنة ليست شعورا وطنيا، على الرغم من أهمية هذا الشعور، وإنما هي حالة سياسية قانونية ثقافية، يؤسس لها الدستور وتنظمها القوانين وترعاها القيم. ويشترط لتحقق المواطنة ثلاث مسائل هي:

1- الحق في اكتساب جنسية

2- الحقوق والواجبات المترتبة عن اكتساب هذه الجنسية

3- المشاركة في الحياة العامة. وتكون المواطنة منقوصة إن لم تتحقق للمواطنين، وبشكل كامل، مسألة واحدة من هذه المسائل الثلاث. تكون منقوصة إن كان في البلاد مواطنون محرومين من جنسيتها، أو إن لم يكن مبدأ التساوي أمام القانون محترما، أو إن كانت المشاركة الاجتماعية غير متاحة. لذلك، إذا ما أمعنا النظر في الوضع في سورية، نصل دون أي صعوبة إلى الإقرار بأن المواطنة منقوصة، بل ومنقوصة جدا.

يجب التذكير هنا أن الحقوق التي تصونها المواطنة على ثلاثة أنواع:

– الحقوق المدنية وتشمل الحقوق الطبيعية والحريات الأساسية: الحياة، الزواج، التعبير، التفكير، المعتقد، التنقل، الاجتماع، التظاهر……

-الحقوق السياسية: وتخص حق المواطن في أن ينتخِب وأن يُنتخَب، وحق المواطنين في استصدار قوانين عبر الممثلين الذين ينتخبونهم.

– الحقوق الاجتماعية وتشمل الحق في العمل والحق في الإضراب والحق في التعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي

لكن هذه الحقوق مرتبطة بالمقابل بواجبات يجب على المواطن تأديتها لصالح الجماعة مثل واجب الدفاع عن الوطن ضد العدوان الخارجي، وواجب المساهمة في المصاريف عن طريق دفع الضرائب وواجب احترام القوانين….

 وبالعودة إلى موضوع المواطنة في سورية وإلى الجهل بها لدى الجزء الأكبر من المجتمع بشرائحه كافة ، يمكننا القول بأن هذا الجهل نتيجة طبيعية لمعطيات موضوعية تميز الحال في سورية، ومن أهمها:

1- عدم احترام التعددية: إن المجتمع السوري مجتمع متعدد بطبيعته، متعدد القوميات (عرب، كرد، أرمن، شركس، تركمان…)، متعدد الطوائف والمذاهب، متعدد الإيديولوجيات والرؤى السياسية.. غير أن النظام الحاكم لم يحترم هذه التعددية وخاصة في ميدانيها القومي والسياسي. ومارست السلطة نزعة إقصائية حينا وإلغائية حينا آخر. كما سجلت الكثير من الممارسات التمييزية التي حملت صبغة طائفية بغيضة.

2- فساد القضاء: إن القضاء النزيه هو الضمانة الدستورية الأقوى للمساواة بين المواطنين، فإن تحول إلى قضاء هش، تابع لسلطة ممثلي أجهزة الدولة والحزب من جهة، وخاضع لإغراءات المال والجاه من جهة أخرى خرب القضاء وانعدمت المساواة وضاعت حقوق المواطنين. وللأسف تلكم هي حالة القضاء السوري، وخاصة في العقدين الأخيرين.

3- خنق المجتمع المدني: إن المجتمع المدني هو الحاضنة الطبيعية للمواطنة، وهو الوحيد الذي ينشط المواطنون في حناياه كأفراد ذوي إرادة مستقلة تحكمهم قوانين الدولة، وليس كرعايا لجماعة (عائلة، حارة، عشيرة، قبيلة، طائفة….) تحكمهم أعراف تلك الجماعة. والمجتمع المدني هو الوحيد الذي يعبر فيه المواطنون عن آرائهم ومعتقداتهم وإراداتهم الحرة. لكن كماشة السلطة كانت تشد بقوة على هذا المجتمع، بل إنها عملت حتى لإلغاء اسمه.

4- غياب النظم التربوية المناسبة: إن قيم المواطنة لا تورّث بالجينات البشرية وإنما تكتسب من التربية الصالحة ليس في البيت فحسب بل قبل ذلك في المدرسة. إن المدارس السورية تفتقر إلى مادة التربية المدنية التي توفر للطلاب معرفة بالحقوق التي يجب على الدولة أن توفرها لهم، وبالواجبات التي يجب عليهم القيام، والالتزام، بها، والقيم الاجتماعية الكفيلة بغرس الكياسة في تصرفاتهم وتعاملاتهم مع الآخرين ومع الدولة.

 إن ترسيخ حالة المواطنة يتطلب تغيير المعطيات الموضوعية السابقة وغيرها. وهذا يكون باعتماد عملية إصلاحية واسعة تجتهد لكي:

1- وضع تشريعات ملزمة تحترم التعددية وتنهي كل أشكال التمييز

2- القضاء على الفساد القائم ومحاسبة الفاسدين ووضع آليات للرقابة على القضاء واجتراح أشكال للوقاية تمنع تشكل بؤر فساد جديدة.

3- رفع الضغوط عن المجتمع المدني والسماح للإرادات الحرة للمواطنين بإمكانية التعبير عن نفسها بالطريقة التي تريدها، ضمن حدود القوانين المرعية.

4- وضع نظم تربوية مناسبة تراقب سلوك المدارس والمدرسين، وتشرف على البرامج التربوية لتطهيرها من شوائب التفكير الإقصائي، وأهم ما يجب عمله في هذا الخصوص إلغاء مادة القومية الاشتراكية نهائيا، وإلغاء مادة التربية الدينية والاستعاضة عنها بمادة تاريخ الأديان. لأن التربية الدينية عالمها الأسرة، أما المدرسة فهي عالم تنوير العقول على حقائق العالم المختلفة.

إن سورية بلد عظيم في ثرائه الثقافي، وتاريخه شاهد فريد على التعايش ضمن الاحترام المتبادل لمكوناته الاجتماعية والثقافية المختلفة. لكن التاريخ يثبت لنا أيضا أن الهزات الخطيرة التي ألمت بمجتمعاتنا نتجت دائما عن انتهاكات المواطنة. ولا بد لحماية المواطنة من القضاء على الجهل بها.

المصدر: https://www.facebook.com/note.php?note_id=153272781419116