فهم الظاهرة الدينية: كسل فكري – باسم الطويسي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 4 novembre 2014

 فهم الظاهرة الدينية: كسل فكري –  باسم الطويسي

تعد تحولات الظاهرة الدينية الإسلامية بمختلف تعبيراتها السياسية والاجتماعية والثقافية أهم أزمة تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عقود، إذ دخلت في اشتباك صراعي معقد مع الذات والآخر تتماهى فيه العواطف والمصالح والوقائع والأوهام، ومع استمرار الفشل السياسي في احتواء هذه الأزمة يبرز فشل لا يقل قسوة يتمثل في هزيمة الوعي؛ أي الفشل في تفسير هذه الظاهرة وفهمها في سياقيها العلمي والتاريخي.

على الرغم من سيطرة هذه الأزمة على مختلف مناحي الحياة العامة وازدياد تعقيدها يوما بعد يوم لم تبرز لدينا مشاريع بحثية كبيرة لدراسة هذه الظاهرة وتفسيرها علميا ومتابعتها دوريا، لم تقم جامعة أو جماعة فكرية أو مؤسسة بحثية بتبني مسوح دورية ثابتة تقدم رصدا علميا لتطور الحالة الدينية في العالمين العربي والاسلامي، بل أصبحت مراكز الدراسات والبحوث الغربية هي مصدرنا في الاستشهاد والمعلومات، ما يفقد القيمة المضافة التي يمكننا أن نقدمها كوننا داخل السياق الثقافي والاجتماعي الذي يمنح إمكانيات أكبر للفهم.
هي المحاولة اليتيمة التي قام بها سعد الدين إبراهيم من خلال مركز « ابن خلدون » في مصر في التسعينيات وهدفت إلى رصد « الحالة الدينية في مصر »، وحينها قامت الدنيا عليه وعلى ومركزه. بعد ذلك برزت تقارير لا ترتقي إلى مستوى ما فعله إبراهيم وزملاؤه؛ مثل تقرير الحالة السلفية في مصر وتقرير الحالة الدينية في المغرب، ولكنها إشارات على الطريق فيما تغيب تماما التقارير الشمولية لدراسة الظاهرة ورصدها على اعتبار أنها ظاهرة عابرة للحدود والوطنيات وتحتاج إلى منظور علمي متعدد ومتداخل، كما يفعل مركز دراسات التطرف البريطاني وكما فعلت دراسات فريق جامعة ميرلاند ومسوحات جالوب وغيرها العشرات من الدراسات الغربية.
هناك عشرات المؤتمرات التي تعقد سنويا ومئات المؤلفات التي تصدر باللغة العربية والتي يقدمها باحثون من الفضاء الثقافي العربي ولكن في الأغلب وبعيدا عن التعميم، لم تشفِ غليل المعرفة ولم توصلنا الى فهم موضوعي لهذه الظاهرة، ولم تستطع ان ترسم سيناريوهات لما حدث خلال السنوات والاشهر الاخيرة، الشيء الوحيد البارز للعيان هو الاستعراض الإعلامي السطحي الذي تستهلكه وسائل الإعلام حول هذه الظاهرة.
دفعت المجتمعات العربية والإسلامية ثمن تحولات هذه الظاهرة مئات الآلاف من الضحايا، ما لم تدفعه في كل الحروب التي خاضتها خلال القرن العشرين ( باستثناء حرب تحرير الجزائر) بينما تعطل هذه الأزمة الحيوية الحضارية لهذه المجتمعات، ويعد فهمها مفتاحا لمستقبل الصراع والإصلاح والتنمية في هذا الجزء من العالم.
تبدو الحالة الدينية في بعديها السياسي والاجتماعي في العالم الإسلامي بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص في هذه اللحظة، تقف على عتبة مرحلة جديدة غامضة وربما أكثر تعقيداً من كل ما سبق، في الوقت الذي تغادر فيه حقبة امتدت ثلاثة عقود اتسمت بخصائص متناقضة، وأهم ملامح الحاضر والقادم أنها أصبحت عصية على الفهم أكثر من أي وقت مضى بينما تواجهها المجتمعات الثقافية والأكاديمية العربية بالمزيد من الكسل والاستعراض.