كارثتنا مع ابن تيمية – الداعشي الأول – خالد الحروب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 février 2015

كارثتنا مع ابن تيمية – الداعشي الأول – خالد الحروب

الخطوة الأولى في العلاج الطويل من « الداعشية » المقيتة التي عششت في حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية هو الاعتراف بوجودها. « الداعشية » ليست « داعش » فحسب، فهذه الأخيرة إنما هي التمظهر الأبشع للمرض السرطاني.
« الداعشية » هي الفكر المتطرف والمتعفن والإقصائي والاستئصالي الذي يمتد من المناهج المدرسية في معظم البلدان العربية، إلى الفكر الديني النصي بسلفياته المتنوعة، إلى ارتهان كل جوانب الحياة للشرعنة السلفية، متجسدة في انتشار فكر « الفتوى » و »ذهنية التحريم » التي تشل العقل والإرادة وتحول مئات الملايين من الناس إلى إمعات وتابعين عميان لهذا المفتي المتوتر أو ذاك.
علينا أن نعترف بأن التعاطف الضمني أو العلني مع « داعش » موجود وعميق، وربما لم يزحزحه بشكل قوي إلا الجريمة البشعة التي أقدم عليها الأخير بحق الطيار الأردني معاذ الكساسبة.
« كيف وصلنا إلى هنا » هو السؤال الذي يجب أن لا يتركنا ننام، وكيف صار القتل والدم وإزهاق الأرواح جزءا من « ديننا ودنيانا »، نتجادل في مقدار الدم وكيفية الذبح وفي ما إن كان الحرق والتحريق يتم بإذن ولي الأمر أم من دونه! حتى مؤسساتنا الدينية « المعتدلة » والتي تأخذ على عاتقها نشر « الوسطية » مثل مؤسسة الأزهر ترد على خطاب وممارسة داعش المتوحشة بخطاب يضاهي الخطاب الداعشي توحشاً.
بيان الأزهر المُندد بحرق الكساسبة يُطالب بقتل داعش « وتقطيع أرجلهم وأيديهم من خلاف ».
إذن نرتع من ذات مربع الدم، نختلف فيمن يحق له الادعاء بكونه ولي الامر ومن يصدر قرار إزهاق الارواح وحرق الاجساد وتقطيع الاطراف.
أما وأن الامر مسألة خلاف على من يحق له الادعاء بولاية الامر، وبالتالي اصدار اوامر الدم، فمن يستطيع ان يمنع أبو بكر البغدادي من التماحك بذلك الحق، كما مئات والوف غيره؟
بعد الاعتراف بمظاهر التدعش في حياتنا التي ظلت تنتشر كالوباء المدمر خلال العقود الماضية، علينا ان نستأصل الاصول والجذور الفكرية والثقافية والدينية لـ « الداعشية »، وعلى رأسها الفكر المتعصب ومناهج فقهائه الراهنين والقدماء.
على رأس هؤلاء ابن تيمية والذي يمكن وصفه بأنه فقيه الدم، والداعشي الاول. نص ابن تيمية، وليس النص القرآني أو النبوي، هو الذي يقود داعش. ولم يجد مجرموها إلا ابن تيمية ليقتبسوا منه التالي في ختام توحش التحريق الذي قاموا به:
« أما إذا كان في التمثيل الشائع (في القتل والقتلى) دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم على العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع … ». هكذا تقعر المُتقعر قارئاً ما نقله عن مُتقعر الفقه والتشدد ابن تيمية، فيما كانت صورة الحرق والتحريق تلتهم بوحشية فائقة جسداً اعزل يتلوى.
لا يتبع مجرمو داعش ما أُوثر عن النص القرآني أو النبوي أو الراشدي في عدم قتل الاسرى، أو التمثيل بالموتى، ولا محاربة متصومع هنا، أو مترهبن هناك، بل وحتى التأنف عن إيذاء الشجر والنبات، فضلاً عن النساء والأطفال وغير المحاربين، بل يتبعون ابن تيمية.
ثمة تلذذ بالدم وبالتفنن في القتل، ذبحاً، أو رمياً عن الاسطح، أو تفجير الرصاص في الرؤوس جماعة، …، والآن حرقاً سينمائياً يدلل على اختراق التوحش كل اسقف التوقعات.
لا يرى متلذذو الدم سوى الدم، وينقبون في تاريخ شاسع حول كل شيء، كي يصلوا إلى مسوغ ما عبئوا به أصلاً.
لم يصل داعش أيّ من نصوص ومصنفات مئات فلاسفة العرب والمسلمين الذين أسست أفكارهم لاستنارة أوروبا، لكن وصلتهم فتاوى ابن تيمية ونقمته وتشدده.
يتحكم هذا المُتشدد في مصائرنا نحن عرب ومسلمي القرن الحادي والعشرين، ويسيطر على مناهج تفكيرنا ويفرد فتاواه في طول وعرض مجتمعاتنا.
من قبره في الشام يُصدر أوامره في كل الاتجاهات، فتصطف طوابير الناقمين والمتعصبين وحملة السيوف، وبوصلتهم هي الدم ليس غيره. و »النظرية » المؤسسة والهادية للفكرة القاعدية والداعشية تفيض بفكر (وتكفير) « شيخ الإسلام » وتقوم على قتل « المنافقين المسلمين » أولاً، قبل الوصول إلى « الأعداء ».
من ليس في الصف الداعشي هو حكماً في صف المنافقين وممن لا يجوز معهم سوى « السيف وجز الرقاب ».
على دولة الخلافة الداعشية، إذن، أن تبيد أكثر من مليار مسلم واحداً وراء الآخر حتى « تتطهر الصفوف » وتكون جاهزة بعدها لإبادة « الأعداء ».
ليس هنا عقل يمكن أن يحسب الزمن ويتأمل المكان أو يستعمل « الرياضيات »، لا يندرج هذا في أي سياق منطقي، يندرج في سياق الدم وحسب.
أفواج من المتوترين، والمرضى، والمأزومين نفسياً، والفاشلين في الحياة، والمهمشين، والحاقدين على مجتمعاتهم، والمتراكمة في دواخلهم كل آفات القهر والانحطاط، والهروب من مواجهة الحياة، يأتيهم العنف على قاعدة فضية من الدين المزيف والمشرعن، عوض أن يكونوا في المشافي، تجمعوا وأطلقوا العنان للسيوف تجز الرقاب، وخلفهم صيحات ابن تيمية تشد من أزرهم.
نص الدم ليس داعشياً حصرياً، بل يمتد كالسرطان المدمر في فضائنا الديني والثقافي والمدرسي، « شيخ الإسلام » وكتبه وفتاواه منثورة في كل مكان، وجاهزة لإثارة الدم.
وإن لم يكن الدم فهي تؤسس له، وتخلق المناخ الملائم والجاهز للحقد والتعصب والكراهية وكل شيء.
تالياً بعض إشراقات « شيخ الإسلام » كما رصدها وفندها الباحث القدير رائد السنهوري في كتاب « نقد الخطاب السلفي: ابن تيمية نموذجاً » (2010):
الكفار لا يملكون أموالهم ملكاً شرعيّاً ولا يحق لهم التصرف في ما في أيديهم.
أنفس غير المؤمنين وأموالهم مباحة للمسلمين.
غير المؤمن تجب عداوته وإنْ أحسن إليك.
وجوب إهانة غير المسلم وإهانة مقدساته.
اليهود والنصارى ملعونون هم ودينهم.
تخويف غير المؤمن مصلحة.
جنس العرب أفضل الأمم وأذكى الأمم، ومخالفة هذا هو قول أهل البدع.
عدم تفضيل جنس العرب نفاق وكفر، وحب العرب يزيد الإيمان.
إتقان الفلاسفة للعلوم الطبيعية إنما هو لجهلهم بالله.
الكيميائيون يضاهون خلق الله، والكيمياء لا تصح في العقل ولا تجوز في الشرع.
كل ذلك « شيخ الإسلام » يحظى بالوقار وبـ « مشيخة الدين »، عوض أن تحرق كتبه وفتاواه ويحظر من دخول عقول أناس هذا القرن وما يليه من قرون.