كوباني – أيمن الصفدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 octobre 2014

على بعد مئات الأمتار من الحشود العسكرية التركية، تشن داعش حربا على مدينة كوباني (عين العرب) السورية. ستنتهي هذه المعركة إلى مجزرة بحق أهل المدينة الكرد إن استطاع الإرهاب الداعشي احتلالها.
بإمكان تركيا منع هذه المجزرة. فكوباني على حدودها، حيث يتمركز الجيش التركي الذي لا تشكل داعش ندا له.
لكن بعد حوالي شهر من هجوم داعش على المدينة، لا مؤشر أن أنقرة ستحرك ساكنا لحمايتها. لم تتدخل عسكريا لردع داعش. لم تسلح المقاتلين الكرد الذين يواجهون الإرهابيين المدججين بالسلاح بأسلحة خفيفة. ولم تعلن حتى موقفا يحذر داعش من عواقب هجومها الوحشي على مدينة تتاخم حدودها.
وهذا لافعل يثير عديد تساؤلات حول سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إزاء الكارثة السورية.
ذاك أن تذرع تركيا بعدم وجود غطاء قانوني للتدخل تفنده تعاملاتها مع حالات أخرى في سورية.
فهي تصدت عسكريا للنظام السوري حين اقتربت طائراته من حدودها. وليس سرا أن تركيا موّلت وسلّحت عديد تنظيمات سورية، بما فيها جماعات متطرفة. كما هيأت أنقرة لألوف المقاتلين في صفوف داعش وغيرها دخول سورية، ولم تتوان عن تهديد داعش إن اعتدت على ضريح « سليمان شاه »، جد مؤسس الدولة العثمانية، قرب حلب.
تركيا أعلنت أنها مستعدة لمواجهة داعش إن استباحت ضريحا يرمز لحقبة استعمارها للعالم العربي. لكنها غير مستعدة للتدخل لحماية آلاف الأبرياء من الذبح.
السبب الرئيس لموقف تركيا تجاه كوباني إذن هو مصالحها وطموحات أردوغان، التي لا اعتبار لثمنها طالما أنها تُدفَع خارجها.
واضح أن موقف تركيا تجاه كوباني مرتبط بموقفها من سكانها الكرد الذين يؤيدون المعارضة الكردية الرافضة للتهميش والظلم التاريخيين اللذين تعرضوا لهما في تركيا. لا تريد تركيا تسليح الكرد خوفا من انعكاسات ذلك على حربها الراكدة حاليا، لكن القابلة للتفجر مستقبلا، معهم.
وكذلك هي الحال في موقف تركيا من الأزمة السورية الأعم. أردوغان أراد سورية مطية يستعيد عبرها نفوذ بلاده الضائع في بلاد العرب. فهو عمل على إسقاط الأسد بأي ثمن، حتى لو كان ذلك الثمن تدمير كل سورية، طالما أدى ذلك إلى موضعته زعيما إقليميا وأعاد له أمجاد أسلافه في عالم العرب.
صحيح أن داعش لن تهزم وأن سورية لن تستعيد عافيتها إلا بخروج الأسد. لكن هذا هدف لا يجب أن يتحقق عبر تدمير سورية وتركها لقوى الإرهاب. سياسات أردوغان أسهمت في إغراق سورية في ضياع الحرب الأهلية لأنها أرادت إسقاط الأسد خدمة لطموحات أردوغان لا لحقوق الشعب السوري.
وإلا فما الذي يفسر حيادية تركيا تجاه كوباني وفتح حدودها لتدفق المقاتلين والأموال الذين مكنوا داعش وغيرها من سرقة الثورة السورية.
لو أراد أردوغان بناء علاقات متوازنة مع جواره العربي لما اعتمد الشعارات الشعبوية والأفعال المؤذية تجاهه، سواء في سورية أو في غيرها من مساحات التنازع والخلاف.
موقفه من كوباني يقدم دليلا عمليا على ضيق حساباته المصالحية النرجسية. غير أنه موقف لن تنجو بلاده من تبعاته. فعاجلا أم آجلا، ستضع داعش تركيا، كغيرها مِن كل مَن لا يتماهى مطلقا مع ظلاميتها، في قائمة استهدافاتها.
الخلاص لكل المنطقة، بما فيها تركيا، شرطه العمل سويا على محاربة داعش التنظيم والفكر الظلامي، وإيجاد حل سياسي يخلص سورية من بطش الأسد لكن يحمي مؤسساتها وسيادتها.
لا شيء في سياسات أردوغان يطمئن أنه يسير في اتجاه هذا التوافق، ما يضع على الدول العربية ضغطا أكبر لبلورة مثل هذا الحل، وفرضه بقوة منطقه ووسائل التأثير السياسية والاقتصادية على أردوغان وغيره من قوى إقليمية ودولية تخوض حروبها في بلاد العرب، وعلى حساب مصالحها ومستقبلها.