لإسلاميون السوريون وإشكاليات تجمّعهم «المستجد» – بشير هلال

Article  •  Publié sur Souria Houria le 17 octobre 2012

بينما يُعقد مؤتمر إعادة هيكلة المجلس الوطني السوري في الدوحة وسط ضجة إعلامية متفاوتة التقديرات سلباً وإيجاباً حول مصائره وحدود دوره المقبل وإمكانيات إصلاحه ومعالجة محدودية فعاليته بالمقارنة مع الآمال المعقودة عليه لدى إطلاقه وتمتعه بُعَيْد ذلك بصفة «الممثل الشرعي للشعب السوري» مرَّ في شبه صمتٍ مُدوٍّ انعقاد المؤتمر التأسيسي لـ «التجمع السوري للإصلاح» في القاهرة نهاية الشهر المنصرم، على رغم حضور 25 حزباً وحركة إسلامية على رأسها «الإخوان المسلمون» إلى جانب تنظيمات بعضها مهم رمزياً أو عملياً كرابطة العلماء المسلمين والتيار الإسلامي الديموقراطي والملتقى الإسلامي السوري والمجلس الأعلى للثورة السورية وتجمع رجال الأعمال السوريين وسواها. وهو خفوتٌ يتعارض مع جملة من المعطيات:

– الوزن الذي تتمتع به جماعة «الإخوان» كأحد أهم طرفين مؤسِسَيْن (إلى جانب إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي) في المجلس الوطني والمتقاطع مع ما يُنسَب إلى الإسلاميين من غلبة عامة ضمنه وكذلك في مختلف تشكيلات الجيش الحر والفصائل المسلحة.

– دور الإسلاميين في قيادة جزء ميداني هام من أنشطة المجلس الوطني عبر مكتب الإغاثة وجزء من التمويل المتعدد المصادر للعمل المسلح.

– الثالث، الدور المركزي الذي بإمكان جماعة «الإخوان» والفصائل الإسلامية الأخرى الاعتقاد بأنه «يجب» ويمكن أن يعود إليها في سورية ما بعد الأسد حكماً وسلطة وتوجهاً. وهو أمرٌ يؤكده التجمع الجديد عبر وثيقته السياسية، حيث يقدم نفسه كتجمع «يعتبر الإسلام المرجع التشريعي والثقافي والفكري لأي عمل سياسي ويؤكد على رفض جميع أشكال التعصب الديني والمذهبي والعرقي ويسعى إلى استقطاب جميع القوى والشخصيات الإسلامية وتنسيق رُؤَاها وأنشطتها»، وإلى إسقاط النظام الأسدي وعقد مؤتمر وطني عام لتحقيق أهداف الثورة و «إقامة دولة مدنية تعددية ذات مرجعية إسلامية» و «المساهمة الإيجابية في الحياة السياسية السورية المقبلة».

– مركزية موقع الإسلاميين في بلورة الصراعات والتمايزات وتظهيرها في مواقف القوى الإقليمية والدولية من الثورة السورية خصوصاً ومن «الربيع العربي» عموماً.

– جدية النتائج التنظيمية التي خرج بها اللقاء حيث أجري انتخاب قيادة تتكوَّن من مجلس شورى من 51 عضواً ومكتب تنفيذي – سياسي من 11عضواً.

وقد تكون بعض القوى الإسلامية ومنها الأكثر تطرفاً قد بقيت خارج التجمع الجديد ولكن ذلك لا يقلل من أهميته كأول تجمع إسلامي جاد مدعو إلى لعب دور مستقبلي بصفته هذه. وبالتالي فإن كثيرين نظروا إلى خفوت تغطيته الإعلامية كما لو أنه استمرارٌ في ازدواجية وتقيةٍ تعكسان خطاً يُجانب الإبراز ويُعلي المزاوجة البراغماتية بين التقدم في الظل والهيمنة الفعلية التي اتُهِم «الإخوان» باتباعها منذ التحاقهم بالحراك الشعبي ثم بالثورة بعد قطعهم الهدنة التي أقاموها مع النظام إثر تركهم جبهة الخلاص التي ضمتهم إلى السيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق وابتعدوا خلالها عن «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي». وعلى وجه الخصوص فإن تقنين الاحتفاء بولادة هذا التجمع قد يجد تفسيره في أهمية الدور الموكل إليه لا العكس. فهو لقاء يمكن النظر إليه من زوايا عدة:

١- تمكين «الإخوان» والتيار الإسلامي عموماً من الاستعداد لتولي دورٍ وازن حتى سقوط الأسد وغالباً بعده. ومرحلياً تدعيم وتنسيق وجودهما القوي أصلاً في المجلس الوطني المدعو إلى التوسع واختيار هيئاته على قاعدة الانتخاب بدل التوافق والجيش الحرّ المدعو إلى التوحد.

٢- تأكيد منحى إضفاء الطابع الإسلامي على الثورة السورية ضمن صراع افتراضي مع مكوناتها «العلمانية» أو ضمن استمرار الصراع مع النظام في فرضية اقتصار التغيير على رؤوسه وبعض بناه.

٣- وقد يمكن أيضاً عاقديه القول إنه لتشكيل «قوة إسلامية وسطية» نابذة للتطرف.

وبالتالي فإن عملية اتحاد الإسلاميين حول «الإخوان» تتضمن آثاراً واحتمالات متناقضة:

– فعملية إضفاء الطابع الإسلامي على الثورة على رغم الاعتدال المعلن هو معيق نسبي لتسريعها لأنه يعني تنظيم كتلة إسلاموية غالبة مقابل «تجارة خوف الأقليات» الدينية والمذهبية والقومية التي يشجعها النظام وبمواجهة تيار «علماني» مُعارض جرت العادة على وصفه بالضعف والانقسام على رغم أنه يختزن إمكانيات نمو فعلية نظراً إلى تركيبية وتعددية النسيج الاجتماعي والثقافي السوري.

– كما أن عدم إشارة الوثيقة السياسية إلى شطط بعض المجموعات المتطرفة كجبهة «النصرة» والوجود الجهادي الأجنبي وضرورة الوقوف بوجهه بدا كتمريرٍ للموضوع تحت ستار تقليل الأهمية على رغم إدانة هذا الوجود من الجيش الحر لِما للموضوع من آثارٍ سلبية سواء كأداة تقسيمٍ وتشتيت لتنظيم وقرار الجيش الحر نفسه أو كذريعة يستخدمها النظام في محاولته إعادة التماسك إلى أجهزته وتطييف الصراع ومذهبته وتصديره على خط صراع إقليمي سنّي – شيعي مُفتَرَض أو تقديمه كإرهاب دولي ما يؤثر سلباً في الرأي العام ويُسوِّغ لدوائر القرار الغربي تقاعسها في موضوع حماية المدنيين ودعم الثورة.

– إضعافٌ نسبي لتوازن المجلس الوطني وشروط التكافؤ في اتخاذ قراره المستقل ما قد يشي بإمكانية استخدام التجمع الجديد كأداة لشرعنة هيمنة «تديينية» لاحقة على السياسة وعلى إعادة بناء المؤسسات تشبه ما رأيناه وما نراه من تجارب في معظم بلدان «الربيع العربي» مع النتائج الآنية التي نتعرَّف إليها تباعاً بما فيها أسطورة استقرار السلطة لعقود طويلة بين أيدي الإسلاميين.

قصارى القول إن اجتماع الإسلاميين السوريين وتوحدهم ليسا مشكلة. وقد كان لذلك أن يحمل فائدة لو أنه ساهم في مواصلة ما باشروه من إعادة نظر جزئية في خطابهم السياسي ووسعوه إلى خطابهم الدعاوي ليُعْلوا الرابطة الوطنية على الدينية وليتمايزوا عن الأفكار التاريخية للجماعة التي حملها سيد قطب إلى ضفاف تكفير المجتمعات الإسلامية نفسها والدعوة إلى إعادة أسلمتها بالجهاد أو لو أنهم بادروا إلى إنجاز سردية نقدية لتجربة الثمانينات وإلى رفضٍ عقيدي للجهادية العدمية. وفي هذا السياق لا يمكن إغفال سلبية تأكيد وثيقة التجمع على مفهوم المرجعية الإسلامية للدولة «المدنية التعددية» الذي يُشكِّل تناقضاً خالصاً.

http://alhayat.com/OpinionsDetails/445148