لا تعدموه – حازم صاغيّة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 janvier 2012
في كلّ مكان من العالم العربيّ قامت وتقوم فيه انتفاضات شعبيّة، تعلو صرخة واحدة: أعدموه. تُسمع هذه الصرخة في المحاكم، على ما رأينا في مصر، لكنّها تُسمع أيضاً في الشوارع والحارات، على ما رأينا ونرى في سوريّة واليمن، فضلاً عن مصر

و «أعدموا الرئيس» تبدو صرخة مفهومة بسبب صدورها عن غضب وظلم مديدين، وعن أعمال قتل وتعذيب وسرقة لا حصر لها، تحوّلت فيها هذه الأنظمة والقيّمون عليها إلى نماذج ومثالات. من هنا نرى هذه الدعوة الثأريّة تتوسّع وتستحوذ على رقعة أكبر وعلى أصوات أعلى

لكنْ لا بأس، هنا أيضاً، باستعادة بعض الحجج التي كثيراً ما وردت في سياق الاعتراض على أحكام الإعدام في البلدان التي عرفت هذه المناظرة: من ذلك أنّ الاحصائيّات جميعاً تدلّ إلى أنّ الاعدامات لم تحدّ مرّة واحدة من نسبة الارتكابات التي بسببها أُعدم المرتكبون. ومنها أيضاً أنّ أكثر ما يبقى من الإعدامات شيوع مناخ طقسيّ وهمجيّ وقطيعيّ تهيمن عليه المطالبة بالدم، وبالمزيد منه، مناخٍ يستخرج منّا أسوأ ما فينا كبشر وكمواطنين نستعيض بالتشفّي والوشاية عمّا نفتقر إليه

فوق هذا، وفي ما يخصّ الانتفاضات العربيّة تحديداً، لا بدّ من الوقوف دائماً على منصّة أخلاقيّة مرتفعة، منصّةٍ تقابل القدرة على ممارسة اللاأخلاق عند الأنظمة المنتفَض عليها. ومسألة الإعدام، وعلى ما دلّت تجربة إعدام صدّام حسين في العراق، لا تكتم دلالتها الغنيّة على الفشل أو النجاح اللاحقين. فالاعدامات، في حال كهذه، تقول إنّ الأمور لا تسير سيراً حسناً، وإنّ المطلوب تحويل الأنظار، ولو غرائزيّاً، عن إخفاق الأوضاع الجديدة وعن تعثّر الإقلاع والتقدّم إلى أمام. ومن يراقب أوضاع العراق اليوم يدرك كم أنّ الغرائز التي استُحضرت لتنفيذ ذاك الإعدام هي نفسها غرائز النزاع الأهليّ المتمادي والحائل دون بناء بلد ودولة. فإذا عكسنا المعادلة، أمكن القول إنّ النجاح في بناء العراق، في حال تحقّقه، كان كفيلاً بترك صدّام حسين حيّاً في زنزانته يتلصّص على بلد استطاع أن يلفظه وأن ينمو ويزدهر

وهذا كي لا نقول شيئاً عن الطريقة الأشدّ همجيّة التي قُتل بها معمّر القذّافي، وكانت نذيراً كافياً بأنّنا سنشهد «كتائب الزنتان» و «كتائب مصراتة» أكثر ممّا سنشهد ليبيا جديدة ومعافاة

إلى ذلك ثمّة صورة رديئة أخرى في ما خصّ المستقبل، صورة تكرّرها جميع الحالات المشابهة التي تعمّدت بالدم. ذاك أنّ باباً من استسهال الاعدام، ومن المزايدة فيه، يُفتح على مصراعيه، بما يعقّد التوصّل إلى بناء شرعيّة سياسيّة مصدرها الإنجاز الفعليّ لا «الإنجازات» الرمزيّة

فالمطلوب، في نهاية المطاف، إعدام طريقة وسلوك وعلاقات بعينها في ممارسة السلطة، وإشاعة قيم بديلة في المجتمع، بدل إعادة إنعاش تلك العلاقات وتلك القيم في ظلّ أشخاص آخرين وتحت يافطات وتسميات مختلفة

الحياة – السبت، 21 يناير 2012

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/352953