لمن يقعقع الأسد بالشنان؟ – عيسى الشعيبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 23 avril 2013

في الملخص الذي وزعه الإعلام السوري، قبل ساعات من بث أول مقابلة من نوعها لوارث الجمهورية، بشار الأسد، مع محطة فضائية محلية، اقتصر التسريب المخطط له، من أجل إثارة مزيد من الاهتمام بذلك السبق الصحفي، على فقرة واحدة، تتضمن تحذيراً مباشراً للأردن من عقابيل مرور المسلحين عبر حدوده الشمالية، الأمر الذي سيؤدي، والحالة هذه، إلى نشوب حريق مماثل في الأراضي الأردنية؛ وكأن لسان حال الأسد يقول: لقد أعذر من أنذر.
وبالفعل، فقد ضاعف ذلك التسريب المقصود لذاته، من درجة الترقب إزاء ما قد يقوله الأسد في مقابلته تلك، التي بدت وكأن جوهر ما اشتملت عليه من رسائل موزعة في كل الاتجاهات، هي هذه الرسالة التحذيرية العلنية، اللاحقة لتحذيرين سريين سابقين أفصح عنهما الأسد، الأمر الذي يدعو إلى الاعتقاد أن الغاية الأساسية من وراء ذلك الحديث التلفزيوني غير المعهود في التقاليد الإعلامية السورية، هي توجيه هذا التحذير، القابل للتأويل على أنه تهديد علني، صريح ومباشر.
ولا أحسب أن أحداً اصطكت ركبتاه هلعاً، أو شمر عن ساقيه للفرار سلفاً، حين سقط على مسامعه ذلك التهديد الأرعن لطاغية بات مستقبله وراء ظهره، خصوصاً أن الحقائق المنقولة بالصوت والصورة عما بات عليه حال الجيش الذي لم يحسن إطلاق الصواريخ إلا على شعبه، وما آل إليه وضع نظام فقد السيطرة على معظم أرضه، هذه الحقائق تعلمنا علم اليقين أن الأسد لم يعد في مستطاعه القعقعة بالشنان لأحد من هنا أو هناك، خصوصاً تجاه شعب لحمه نيئ لا يؤكل.
وبالتدقيق أكثر فأكثر في شكل ومضمون هذا التحذير الإنذاري، فإنه يمكن بسهولة التقاط تلك النبرة التي تشي بروح مكسورة في العمق، والقبض على مفردات شائعة في عالم التشبيح فقط، ناهيك عن الهدوء المصطنع، والتعلق بحبال الترهيب التي تمزقت على هواء البث المباشر قبل عامين في درعا، فضلاً عن الرهان على إثارة الهواجس، والإيماء عن بعد بالخلايا النائمة، وغير ذلك من أصناف البضاعة التي انتهت مدة صلاحيتها، وبارت في السوق رغم إعادة تغليفها.
ففي خضم هذه الثورة التي ترقى إلى مصاف المعجزات، تغير الواقع السوري إلى غير رجعة، وتبدلت البيئة السياسية المحيطة، إلا الأسد الذي هرم وهو في عز شبابه، وظل على الرغم من انهيار سطوته في عرينه، يعتقد أنه « ورد إذا ورد البحيرة شارباً ورد الفرات زئيره والنيلا »، تماماً على نحو ما بدا عليه المشهد وهو يحاضر في مقابلته تلك مذيعاً ومذيعة كانا يتجاسران عليه بأسئلة ما كان لمثلهما، قبل فترة زمنية قليلة، أن يطرحاها عليه.
وإذا كان لدى الأسد بقية من شك في أن بلدا مثل الأردن عصي على أخذه بالصوت، قوي بما يكفي للسخرية من التحذيرات والإنذارات وإشعال الحرائق، فما عليه سوى أن يلتفت غرباً نحو لبنان، الذي كان فيه تلفزيون المستقبل، مثلاً، يلتزم في نشراته بما كانت تقوله وكالة « سانا » طوال أشهر الثورة المبكرة؛ وكيف تحرر هذا التلفزيون فيما بعد من رواسب الخوف المديد، وبات ينعت الجيش السوري بعصابات الأسد المجرمة. وبالتالي، لعل على من انكسرت شوكته في داريا والزبداني ودوما، أن يأخذ العبرة ويرى كم تغيرت الدنيا من حوله.
على أي حال، قد لا يمر وقت طويل حتى يعي الأسد وهو يغذ خطاه على طريق عمه القذافي، أن تحذيره بنقل الحريق إلى البلد الذي يستضيف بشهامة مئات الألوف من مشردي « حماة الديار »، ما هو إلا طلقة مرتدة نحو نحره، وأن مضاعفات هذا الإنذار المتهور حقاً، لن تكون أقل وطأة عليه من سابقة إسقاط الطائرة التركية صيف العام الماضي، إذ أدت الحسابات المرتجلة والسياسات الطائشة إلى تكوين محطة فارقة في مسار الثورة السورية، وذلك عندما استجابت أنقرة بصمت لذلك التحدي الاستفزازي السافر، برفع قيودها عن تسليح الثورة، وذلك على نحو ما شهدناه لاحقاً في حلب وإدلب وفي محيطها الواسع.

issa.alshuibi@alghad.jo