ليس ذلك ديني! -محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 13 décembre 2016

كنتُ أقرأ على موقع « بي. بي. سي » العربي عن « الأمراض النادرة ». ومما استوقفني (لا أعرف لماذ!)، مرض « غياب الألم »؛ وجاء بشأنه: « يعتبر مرض غياب الشعور بالألم مرضاً وراثياً نادراً. ولا يتعدَّى عدد المصابين به المسجلين طبياً أكثر من 20 شخصاً حول العالم. وهو مرض يجعل المصاب به لا يحسّ بأي ألم جسدي، بدءاً من الإحساس بوخزة صغيرة وصولاً إلى الآلام الحادة كألم الحروق أو الكسور… ولا يدرك الأشخاص منذ ولادتهم معنى الألم، ما يدفع الأطفال إلى إيذاء أنفسهم من دون العلم بذلك، إذ قد يقوم الطفل بوضع يده في النار وهو لا يعلم أنها تحترق ».
بصورة مباشرة، ومن دون تفكير ولا تحليل، وأنا أقرأ ذلك الخبر، ربطت المرض -غياب الألم- بحالة الإنسان العربي اليوم. لكنّنا -أي العرب- حالة متقدمة على توصيف المرض السابق نفسه؛ فلم نعد نشعر بالألم، سواء كان حسياً أم معنوياً، مباشراً أو غير مباشر، فأصبح الألم عاماً وعدم الإحساس به عاماً أيضاً!
تخيلتُ نفسي أحد أولئك المحاصرين في حلب، مع أسرتي، حيث لا دواء ولا غذاء، ولا أمن ولا ضمانات؛ أليست هذه الحياة بحدّ ذاتها ألما كبيرا؟! وأعدتُ التفكير في أولئك الأطفال الذين يخرجون من تحت الأنقاض وهم مصدومون، لكن لا يتألمون. ألا تذكرون صورة الطفل عمران الحلبي، ابن الخمسة أعوام (الذي أخرجه الناس من بين الأنقاض، وهو مصاب والدماء عليه، لكنه لم يكن يبكي)؟! تلك الصورة التي صدمت العالم، وأصبح السؤال المشحون بكمّ كبير من الدلالات والمعاني: « لماذا لا يبكي؟! ألا يشعر بالألم؟! ».
كم عدد الأطفال السوريين والعراقيين واليمنيين الذين شاهدوا أهوالاً وكوارث ومصائب من الحروب؟! أشعر بقلق شديد لمجرد رؤيتي صورة اللاجئين من الموصل في المخيمات البدائية، وهم يقفون صفوفاً طويلة لمجرد الحصول على الحد الأدنى من الطعام، والأطفال وهم ينتظرون طويلاً للحصول على الماء؟ وأطفال الركبان الذين احتفلوا أمس بإقامة أول خيمة لهم للدراسة والتعليم، في تلك المنطقة الصحراوية الباردة القارسة، بلا أدنى شرط من شروط الحياة الإنسانية، وينتظرون موسماً بارداً، قد يودي بحياة أطفال، كما حدث مع مخيم الزعتري، الذي يعتبر 5 نجوم مقارنة مع « الركبان »!
أليس من المؤلم (إن كان هناك إحساس بالألم) أن يحتفل المسلمون اليوم بذكرى المولد النبوي الشريف بلا أدنى شعور بالخجل، ويتبادلون التحيات والسلامات، وتتسابق الحكومات فيما بينها في إقامة هذه الاحتفالات، ونحن، بأيدينا وأسلحتنا، نقتل بعضاً ونهجر بعضاً، ونستبيح منازل بعضنا وأراضينا، ثم يعقد الحوثيون وخصومهم والإيرانيون والعرب المعادون لهم احتفالات المولد النبوي، احتفالا بالرسول الكريم!
ولو قُدر له أن يرى ويشاهد أولئك الذين يحتفلون به، وهم على هذه الحال، ماذا سيقول لهم: ألا تخجلون؟! ألا تحسّون؟! تدفعون المليارات لتقتلوا بعضكم، وتقصفوا بيوتكم، وتشردوا أطفالكم، ثم تتمسحون بمحبتي؟! تتركون الأطفال والنساء في العراء، بلا أدوية ولا أطباء، وتشاركون في القصف والذبح، والقتل والتعذيب، وكل ذلك باسم الدين وباسمي؟!
هؤلاء يقولون إنهم شيعة علي، وأولئك هم الفرقة الناجية؛ الكل يكفر الكل ويضلل الكل! إذا كانت رسالتي قد حرمت الغيبة (ذكر المسلم الآخر بالسوء) واعتبرتها كأكل الميتة، فكيف بأكل أمواتكم حقاً؟! واعتبر الله قتل امرئ مسلم كقتل الناس جميعاً، فكيف بقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين؟! وضرب لكم القرآن مثلا وحذركم سابقاً من درب من قتلوا أنفسهم وأخرجوا أنفسهم من ديارهم، ففعلتم الشيء نفسه!
ثم تأتون اليوم لتحتلفوا بي وبرسالتي وبديني؟! ما هذه برسالتي ولا ذلك بالدين الذي جئت به!