مجتمعات القيعان – إبراهيم جابر إبراهيم

Article  •  Publié sur Souria Houria le 21 septembre 2014

لماذا كلما ولد تنظيم متشدد وجد آلاف المحتفلين بانتظاره ليملأوا طلبات الانتساب؟ فَضلاً عن مئات الآلاف الجاهزين للهتاف والتظاهر والجلوس في مدرَّجات المشجعين أو « المكبّرين »؟!
إذا أردنا أن نفهم « داعش »، وسرّ تمدّدها المفاجئ وسرعة هيمنتها الجغرافية والثقافية على مناطق كثيرة، فعلينا أن نجيب عن هذا السؤال، وأن نتوقف عند الإجابات طويلاً، ولا أقصد « داعش » على التعيين، ولكنّها الظاهرة الأحدث التي يمكن القياس عليها.
ما الذي يحدث في طبقات المجتمع المختلفة، وفي أغوارها العميقة، وما الذي جعلها طبقات غير متّصلة، حيث بنت لنفسها حدوداً ثقافية وذهنية واجتماعية حصينة، ما عمَّق الاختلافات وجعل « الطبقة » تبدو كما لو أنَّها أمَّة وحدها!
الأمر حتماً متَّصلٌ بالتربية، التربية الأسرية والمدرسية والمجتمعية، بل وتربية الحكومات لمواطنيها، بمعنى تنشئتهم على حدود وخطوط حمراء، في حين تقع في الظلّ أحزاب وحركات تضع للمجتمع خطوطها الحمراء الخاصة، وهكذا يجد الفرد نفسه في تلك المجتمعات وسط شبكة ضخمة ومعقدة من « النواهي » و »الأوامر » و »التعاليم والتعليمات »، والتي تلتقي وتتضارب وفق مصالح كبرى لشبكة الأشخاص والجهات التي وضعتها. لكنَّ الضحيَّة دائماً، والذي يدفع الثمن الأكثر فداحةً هو الفرد، الذي ينشأ بعقلية غير واضحة السلوك، ومشَوَّشة، تدفعه مثلاً أن يكتب على بطاقة عرس (زفافه على كريمة فلان) خجلاً من إشهار اسم المرأة؛ في حين يردد طيلة الوقت أحاديث نبوية يتبعها بالقول « عن السيدة عائشة »؛ دون أن تفهم كيف صار اسم ابنته أو عروسه أكثر حصانة من اسم أم المؤمنين وزوجة النبي عليه السلام التي يروي عنها!
وهكذا تتصادم مدخلات التربية والتنشئة، حتى تتناقض، وتفضي إلى جيل مرتبك التوجهات، يحلم بالحوريات كتعويض عن حياة جافّة وقاحلة، ويمنّي نفسه بمكافأة ضخمة، وهو في نفس الوقت يتلصَّص غالباً على متع الحياة، أو يقربها بتقشّف، ذاهباً خطوة هنا وخطوة هناك ومضمراً خطوة ثالثة لا يتكهَّن أين سيذهبها!
ثمة بالمحصِّلة مجتمعات غارقة في الفقر والوهم والأحلام اليابسة، وهذه المجتمعات طينة طريّة لمن يقصدها، أو يرمي بذوره فيها، وأحياناً من يدفع لها قوت يومها؛ حيث يتحول الفرد الى فريسة جاهزة، ويتحول العقل الى سلعة للبيع أو للإيجار. فَضلاً عن أن هذه المجتمعات الغارقة تحلم بتغيير ما، أي تغيير يحرّك مياهها الراكدة، حتى لو كان سيجرفها الى القيعان، بعد أن وصلت الى مرحلة يصعب الرجوع منها.
هكذا، وحين تولد هذه التنظيمات، في دوائر استخبارية عظمى غالباً، تجد سكّان هذه القيعان جاهزين، ليعملوا كمنتسبين مخلصين، وأحياناً يتحوّل « الأجير » لاحقاً إلى « مالك » يعمل لحسابه، أو لحساب جهة ثالثة.. الخ! المفزع في الأمر هو كيف يجري استغلال ثقافة الناس البسيطة عن « الدين » وتوظيفها في حربٍ مجرمة تجتاح في طريقها البشر والحجر والشجر، وأي عقلية « يتمتع » بها هؤلاء الذين يستجيبون لخطاب متخلِّف لم يكن سائداً حتى قبل 1500 سنة لينسب الآن للإسلام؟ هذا ما على المؤسسات المختلفة أن تجيب عنه، وأن تفهم كيف تشكَّلت مجتمعات القيعان أمامها، بل أحياناً بتواطئها، ورضاها!
وأن تفكر بالحلول التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، وأن تعمل على خطط عملاقة لتجريف كل ثقافة الجوع والحرمان والانتهاك، والحدود الصارمة بين الطبقات، التي أفضت بالأفراد الى يائسين يحلمون بالحوريات كمكافأة محتومة لصبرهم، كما جرى إفهامهم!