مقاومة « مثقفون » عرب للثورة والتغيير – سلام الكواكبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 18 octobre 2011

قريبا، تحتفل بعض الشعوب العربية بمرور عام على اندلاع التحركات الاحتجاجية والانتفاضات والثورات في عدد من دولها ووصولها إلى الإطاحة بنظم استبدادية فاسدة، كتونس ومصر، ودخولها في مرحلة مخاض سياسي وقلق جمعي عائد إلى عقود من مصادرة الحيز العام والنشاط السياسي. ومن جهة أخرى، تحولت بعض هذه الاحتجاجات إلى حالات عنفية مستعصية تتميز بدموية سلطوية، طورت سيناريوهات غامضة للمستقبل القريب في بعض هذه الدول كسوريا واليمن، بعد أن وصلت إلى شبه نهاية دموية بامتياز في الحالة الليبية. وفي هذا الإطار، تجتاح بعض النخب العربية، ذات اتجاهات أيديولوجية مختلفة، موجة من التشكيك والاستخفاف يصل أحيانا إلى حد التخوين وربط كل ما يجري بمخططات معدة مسبقاً في مطابخ « الامبريالية » والقوى الاستعمارية التي تريد استعادة ما فقدته في حروب التحرير الوطني. هذه الحروب التي كان مفترضا بها الإتيان بالدولة الوطنية، لم تنتج بالحقيقة إلا « اللا دولة » الأمنوقراطية والفاسدة القائمة على مفاهيم ما قبل حداثوية للعمل العام وتنظيم المجتمع والتي تحطمت على صخورها وفي أقبية معتقلاتها آمال ملايين ممن ناضلوا في سبيلها حاملين أحلاما تحررية وتقدمية لبناء مجتمع سياسي متطور

وفي حين يشعر القائمون على الحركات الاحتجاجية والمنخرطون فيها، والمضحون أحياناً كثيرة بأرواحهم، بأنهم استطاعوا، ولو نسبياً أو جزئياً، تغيير حالة مرضية مستعصية، ينبري أفرادٌ من النخب الثقافية العربية إلى إنتاج « أدبيات » خطابية وكتابية (رديئة) في محافل عديدة، ليثبتوا صدقية نظرية المؤامرة التي رضعوا حليبها من ثدي الأنظمة الشمولية السابق وصفها. وعلى الرغم من أن البعض منهم لم يحظى حتى بفتات موائد السلاطين، ومنهم أيضاً من كان سبق ودفع أثماناً معنوية لا بأس بها بصورة اضطهادات شتى، إلا أنهم وجدوا أن أفضل وسيلة للدفاع عن عقم حجتهم وتردد مواقفهم وضعف قناعتهم تتمثّل في مواجهة الثورات العربية وعناصرها بشتى التهم والشتائم. يضاف إلى ذلك، أن هؤلاء، وبأشكالهم المتعددة، يغلب عليهم الشعور بالعقم السياسي والمعرفي أمام التحولات الجارية. إنهم يشعرون بعقدة نقص هائلة الوقع لعدم مقدرتهم الذاتية على المساهمة، ولو أخلاقياً، فيما يحصل، فيجدون أن أقصر الطرق للتخلص من المسؤولية هو اختراع الأباطيل والقصص الخرافية حول « مطابخ البنتاغون » المساهمة في التحضير لثورة مصر مثلاً، أو رغبة الناتو بالعودة إلى شمال أفريقيا بعدما استطاعوا (هم؟) أن يخرجوه عبر حروب التحرير، ويجدون في أن ما قام به التونسيون لا يعدو كونه هرطقة شعبوية استغلتها القوى الغربية وأوعزت للجيش لإنجاحها. وفي الحالة اليمنية، فالأمر لا يتعدى حرب قبائل تسعى للغنيمة، وفي الحالة السورية، يجتمع الموساد مع القاعدة مع المخابرات الغربية والعثمانيون الجدد إضافة إلى الغوغاء (وربما أيضا كائنات فضائية، لما لا؟)

 إن هؤلاء، رغم عزلتهم وضعف تمثيلهم وبؤس حججهم، يستطيعون أن يملئوا ساحات النقاش صخباً وضوضاءً، خصوصاً باعتمادهم على الدوغمائية والأساليب غير الحوارية التي تستند للشعبوية في الخطاب والتخوين والتكفير والترهيب في الممارسة. على الرغم من إساءتهم الأخلاقية هذه لمجتمعاتهم ولشعوبهم، فقدرتهم شبه معدومة في وقف التطور الإصلاحي الثوري الذي سيلفظهم ليجدوا أنفسهم على رصيف محطة الاستبداد المهجورة بعد أن مر بها وحطمها قطار الإصلاح والديمقراطية

سلام الكواكبي – مدير أبحاث في مبادرة الإصلاح العربي

https://www.facebook.com/notes/salam-kawakibi/افتتاحية-النشرة-الشهرية-لمبادرة-الإصلاح-العربي/276895762341945