من لا يقرأ التاريخ..! -منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 4 mai 2013

عن جهل أو تجهيل، إنما دائماً عن استعلاء، يحتج القائلون بـ »مؤامرة » الربيع العربي بهذا التزامن « الغريب المريب » بين الثورات العربية! وإذا ما وضعنا الاستعلاء على الشعوب جانباً لبعض الوقت، فإن هذا التزامن بين ثورات شعوب متجاورة، تتشارك ذات البؤس الممتد من القتل استبدادا إلى القتل جوعاً، ليس أبداً سابقة تاريخية تسجل للعرب إن اعتبرناهم، كما هم فعلاً، طلاب حق في ثوراتهم؛ كما لا تسجل عليهم كمجاميع خائنين وعملاء بنظر أعدائهم من أبناء جلدتهم.
فقبل 165 عاماً، وتحديداً في العام 1848، كانت أوروبا، من المحيط الأطلسي إلى أوكرانيا ومن بحر البلطيق إلى البحر الأبيض المتوسط، تشتعل ثائرة على حكامها في إيطاليا وفرنسا وألمانيا والدنمارك.. وغيرها، بعد أن أوصل أولئك الحكام شعوبهم إلى ما يكاد يكون مطابقاً تماماً للظروف التي سبقت الربيع العربي وأدت إليه. تُرى، من كان خلف مؤامرة العام 1848؟ أرجو أن لا يقفز أحد العباقرة « ليتهم » اليهود والماسونية؛ ففي ذلك كثير مديح كما يثبت التاريخ، كون هذه الثورات هي مما أسهم في فتح الطريق لسيادة أوروبا للعالم أجمع لاحقاً وإلى الآن.
هكذا يبدو الاستعلاء بل والاحتقار جلياً للشعوب العربية، ولاسيما من المتحدثين باسمها بزعم قوميتهم! فهي شعوب غير جديرة بالمطالبة بأي حق إنساني، بخلاف شعوب الأرض الأخرى.
لكن الاستعلاء والاحتقار لا يتوقفان عند بواعث انطلاق الثورات العربية، بل يمتدان إلى ما بعدها. فالآن، يستدل أعداء الربيع العربي على « المؤامرة » بالفشل الذي يمنى به الثوار أو من وصلوا باسمهم إلى سدة الحكم، وليؤكدوا أن هذا الربيع-المؤامرة ما هو إلا خريف وشتاء مظلم، نقتل أثناءه بعضنا بعضاً.
هنا يمكن لنا نحن أن نتغاضى عما يؤكده تاريخ كل الثورات العظيمة من عدم استقرار عقب نجاحها، وصل في فرنسا على سبيل المثال فقط، حد وصفه في بعض الفترات بـ »عهد الرعب ». لكن إدانة الشعوب العربية على عدم تحقيق الإنجازات العظيمة، بإنهاء الفقر والجوع والبطالة والمرض وحتى تحرير فلسطين، في اليوم التالي للثورة، هذه الإدانة هي في وجهها الآخر والحقيقي تبرئة للمستبدين القوميين الذين لا بد أنهم مستنيرون، حتى وإن كانوا يوصفون قبل أيام بالعملاء الصهاينة الأميركيين! أليس هؤلاء الذين يتباكى عليهم قوميون ويساريون هم من أوصلوا دولهم إلى الخراب التنموي، وحافظوا على الانقسام الديني والطائفي والمذهبي وعززوه؟ هل ظهرت التنظيمات التكفيرية « الظلامية » بعد 24 ساعة من ثورات الربيع العربي، أم هي نتاج أكثر من طبيعي لسياسات العلمانيين القوميين المستنيرين؟ باختصار، قدر العربي برأي أعداء ربيعه هو الذل والموت، وأفضل له الجلاد القومي، فلماذا التمرد عليه؟!
ثمة مقولة بليغة بأن « من لا يقرأ التاريخ يعيده ». ولعل من بقي من المستبدين العرب، والمدافعين عنهم من قوميين ويساريين « وليبراليين! »، ربما يعزّون أنفسهم وهم يحاولون استدراك ما فات، بأن ثورات العام 1848 قد انتهت في أغلبيتها العظمى إلى الفشل. لكن الحقيقة أن عليهم مواصلة القراءة، فتلك الثورات « الفاشلة » قد دكت أسس الاستبداد الأوروبي إلى الأبد، وكذلك يفعل الربيع العربي، وإن بقي بعض الطغاة وأنصارهم لبعض حين.