موضوع الشرعية ووحدة المعارضة في سورية – ماهر الجنيدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 4 octobre 2011

هل يبدو ضرباً من الشطط القول إن دوائر المنظومة الأمنية المهيمنة في دمشق كانت أوّل من أدرك «واعيةً» سقوط النظام؟

يرى بعض المعارضين السوريين أن تلك الدوائر أدركت خطر سقوطه حتى قبل الجمعة «اللعينة» التي فرّ فيها زين العابدين بن علي مغادراً تونس. فاتخذت «حزمة» تدابير وأصدرت مجموعة تعليمات سرعان ما استشعرها السوريون من خلال جملة حوادث متفرقة هنا وهناك

تعاملٌ أسلس مع أجهزة التماس المباشر مع المواطنين، في الدوائر الحكومية وعلى النقاط الحدودية. صمتٌ وامتصاص لصرخات الاحتجاج التي قد تعلو جرّاء فحش التعامل هنا وهناك في مكاتب «سيرياتيل» في العديد من المدن والبلدات، وفي سوق «راماك» الحرة على المنافذ الحدودية والمطارات

وفي المقابل، دروسٌ صارمة لا تتردد الأجهزة الأمنية في تلقينها لكل متورّط في أي حادثة تنطوي على خطر «تفاقم» الأمور وخروج زمامها عن السيطرة، كتلك الواقعة في أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي، التي تجمّع فيها أبناء حي الشيخ ضاهر في اللاذقية، وتحلّقوا حول مشهد رجل يشتم تمثالاً محاولاً هدمه؛ فما كان من الأجهزة في اليوم التالي إلا أن «لمّت» جميع من شاهد تلك الواقعة، ما أتاح انتشار طرفة «وهادمه وناظره!»

لقد أدركت الأجهزة «واعيةً» سقوط النظام قبل غيرها، باعتبارها أكثر من كان يدرك معضلة «شرعيته» على مدى العقد الأخير على الأقل. لم تغرّها نتائج الاقتراعات والاستفتاءات، كما لم تغرّها مظاهر اعتزاز السوريين بمواقف النظام الوطنية الممانعة ولا الحفاوة الكبيرة التي أظهرها رياضيو نادي الاتحاد الحلبي مثلاً حين تكريمه إثر فوزه بأحد الألقاب الآسيوية، ولم تغرّها نظرات الإعجاب والحب والأمل التي تشعّ من عيون الكثير من الشباب حين التحدث عن روح الشباب، وخطط الإصلاح، والشركات القابضة، وخطوات الانفتاح

وإذا تمكّن النظام حتى حزيران (يونيو) 2000 من تفادي سؤال «الشرعية» ثلاثين عاماً، مستثمراً حرب تشرين (أكتوبر) خير استثمار، فإنه في الحقبة الجديدة ما زال يحتاج إلى إنجاز مماثل، ولعلّه كان يرى في إسقاط المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مثلاً، مطيّة لتفادي هذا السؤال لعدد من السنين أيضاً

كان من الواضح أن الشطر المستفزّ في الجملة هو «الشعب يريد»، بغضّ النظر عن شطرها الثاني. ولأن الأجهزة واعية لإدراكها، وغير مغشوشة بظواهر الأشياء، وموقنة قبل غيرها من أنّ الشرعية ملتبسة بل ومختطفة، فقد كانت خطّتها لمجابهة الاحتجاجات ترسم بعناية في غرف العمليات، مبنيّة على الحزم والصرامة في إخماد الاحتجاجات بكل الوسائل. فاستلهمت مباشرة قصص القنص، والاندساس، والجماعات السلفية، والبارجة الألمانية، باعتبارها لا تجيد (وهذا ما عبر عنه المسؤولون ضمناً) التعامل مع احتجاجات تطرح شعارات مطلبية وسياسية تنادي بالحرية والكرامة وتندد بالذل والإذلال، ومع تظاهرات ستصل بالضرورة، بفعل الرياح التونسية – المصرية، إلى شعار إسقاط النظام، وما بعد إسقاطه

بيد أن سلميّة الاحتجاجات أصابت مقتلاً من تلك المقاربة الأمنية. فلا روايات القنص انطلت على أحد، ولا رواية المسلحين المندسين، ولا المؤامرة الخارجية والبارجة الألمانية. فضلاً عن أن «وصفة الثمانينات» لم تعد ناجعة لهذا النظام الأمني في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عداك عن اختلاف طبيعة الأزمة بين الزمنين

لذا يمكن التحدّث اليوم عن أن الثورة – التي لم تنجز مهماتها جميعاً – قد أُنجزت بالفعل من حيث تغيّر الأحوال والمعادلات إلى غير رجعة، وانخراط السوريين في الفعل السياسي، وأن النظام الذي كان قائماً قبل آذار (مارس) الماضي قد باد إلى غير عودة، وبمعنى آخر قد سقط تاريخياً

لكن، ومن ناحية أخرى، لم يستنفد النظام بعد وسائله لإنعاش بقائه، «ساقطاً»، ممسكاً بمقاليد الحكم، مرتهناً الدولة. ومن هنا يمكن فهم (وليس تبرير) نشوء نقطة خلافية غدت أساسية في شعارات المعارضة: ثلاث لاءات أم أربع؟

اللاءات المتفق عليها هي: لا للتدخل العسكري الخارجي – لا للتجييش والصراع الطائفي – لا للعنف من أية جهة جاء. أما الرابعة: «لا للنظام/ إسقاط النظام»، فتصوغها بعض أطراف في المعارضة بشعار «لا للنظام الاستبدادي الأمني الفاسد/ إسقاط النظام الاستبدادي الأمني الفاسد»، فيما ترى أطراف أخرى أن طرح هذا الشعار إنما هو دعوة لإسقاط ما هو ساقط أصلاً

تستتبع هذه النقطة الخلافية، بالضرورة، مسألة أخرى، عمليّة هذه المرة، وليست «شعاراتية» فحسب: هل نعمل كمعارضة مع تنسيقيات الثورة وضمنها، أم نعمل على تفكيك النظام عبر التنسيق والتناغم مع تلك التنسيقيات واستنباط آليات احتجاج موازية داعمة لها وبناء البدائل المدنية للمؤسسات والمنظمات شبه العسكرية، أم نعمل على بناء الكوادر «الدولتيّة» وتلقّف الدولة من يد النظام الآيل للسقوط؟

السوريون عموماً لا يبررون هذا الخلاف، سواء كانوا جمهور المعارضة الواسع أو جمهور الاحتجاجات، أو حتى المترددين في الانخراط في عملية التغيير. فالسؤال الذي يتبادر لأذهانهم فوراً، هو: هل ينبغي لنا انتقاء واحدٍ من ثلاثة خيارات؟ ألا يوجد خيار رابع يوحد المعارضة؟ بمعنى أنه خيار يجمع التوجهات الثلاثة معاً، في ثلاثة محاور متّسقة؟

لا شك في أن المقصود من توحيد المعارضة (شعار الجمعة الماضية) هو تنسيق جهودها، وإبراز هيئة سياسية تبلور خطاباً سياسياً يتوجه للسوريين عموماً، ويؤطّرهم معارضة وموالاة ومنتفضين ومترددين، لإنجاز ما تبقى من إسقاط النظام، وليس وحدة اندماجية لوثائقها وبرامجها وتكتيكاتها، التي يزيدها اختلافُها ثراءً وغنى

يلفّ الأسفُ قطاعاتٍ واسعةً من السوريين، الذين يرون دوائر المنظومة الأمنية تدرك واعيةً لا شرعية النظام، وسقوطه، فيمــا يخامر الشكُّ في ذلك بعضَ أطراف المعارضة، التــي لم تــر في سقــوط هيبة الديكتاتـوريات ســقــوطاً حتــمياً لــها

الحياة – الثلاثاء، 04 أكتوبر 2011

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/314302