نحن المغول!-منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 17 septembre 2013

في مقاله المنشور نهاية الشهر الماضي في مجلة « فورين بوليسي » الأميركية، يشبّه وزير خارجية كوسوفو، إنفر هوكسهاج، الوضع الذي تشهده سورية اليوم، بذلك الذي عرفه الإقليم الألباني في العام 1999، عندما كان خاضعاً للصرب؛ ما استدعى تدخل حلف شمال الأطلسي « الناتو »، وصولاً إلى إعلان استقلال الإقليم لاحقاً جمهورية مستقلة.
لكن إذا كان في التاريخ ما يصح استحضاره نموذجاً الآن، لا على مستوى سورية وحدها، بل على مستوى العالم العربي ككل، فلعل التشبيه الأدق يعود إلى فترة أبعد من ذلك بكثير، وتحديداً تلك التي شهدت اجتياح المغول لبغداد في العام 1258.
تلك المرحلة السوداوية قد تبدو « غنية » بالمقارنات والتشبيهات الفعلية؛ بدءاً بما تفعله الأنظمة « الوطنية » اليوم تدميراً كما الغزاة، وصولاً إلى تشابه الانقسام والصراع الطائفي السني-الشيعي مرتبطاً بالوزير ابن العلقمي يومها. مع ذلك، ربما يظل التشبيه الأمثل متجسداً في القصة الشهيرة، حتى وإن كانت غير محققة أو مؤكدة، عن الجندي المغولي غير المسلح حين لقي مسلما في بغداد؛ فرسم حوله دائرة طالبا منه أن لا يبرحها إلى حين يأتي (المغولي) بسيفه لقتله. وقد التزم الرجل بالأمر فعلاً، فتسمّر في مكانه ينتظر، بشديد قناعة وذل، عودة قاتله لتنفيذ وعده!
تماماً في مثل دائرة الموت تلك التي رسمها المغولي قبل مئات السنين، يقبع العالم العربي الآن منتظراً وصول الموت؛ أو للدقة مواصلة حصد أرواح العرب وأوطانهم. لكن إذ تعدد القتلة المنتظرون اليوم؛ أنظمة وتكفيريين وحتى غزاة، تظل الحقيقة هي أن أياً من هؤلاء لم يرسم « الدائرة » حولنا طالباً منا انتظار مصيرنا المحتوم. من رسمها فعلاً هو نحن، وبأيدينا.
كيف أمكن لنا أن نتقمص دور السفاحين المغول، وأن نبقى الضحايا في آن معاً؟ فقط بإنكار إنسانيتنا، وحقنا في الحرية والكرامة.
هكذا، لا يكون صحيحاً أبداً الزعم أن عمر دائرة موتنا هو بعمر « الربيع العربي »؛ بل هو بعمر قبولنا للاستبداد قبل عقود، باعتباره قدرنا النهائي، بعد أن أدركنا قبل ذلك بأمد طويل أنه لن يكون أبداً طريقنا إلى التنمية والتحرير. أما ما فعله « الربيع »، فهو جعله الموت العربي موثقاً، عالي الصوت فاضحاً، ولربما محرجاً للبعض. بل ولذلك، يكون الأصح أن « الربيع » وليس سواه، إنما كان هو فرصتنا الوحيدة للخروج من دائرة الموت المتواصل بصمت، إن لم يكن موتاً جسدياً، فتخلفاً على كل صعيد. لكن هنا قرر البعض بيننا، قبل كل الأعداء، أن خيارنا هو بين الاستبداد العلماني والاستبداد الديني؛ أو بين الموت والموت فقط!
اليوم، تستطيع روسيا ادعاء النصر، ومثلها قد تفعل إسرائيل، وحتى الولايات المتحدة وإيران. لكن عربياً واحداً، بمن في ذلك أنصار الاستبداد، لا يمكن لهم ادعاء نصر من أي نوع؛ فحتى الأنظمة التي يساندونها انتهت، إلا من كونها واجهات، بعد أن دمرت دولها.
الفناء للجميع، أوطاناً وشعوباً؛ أقليات وأغلبيات، سيبقى قدراً معجلاً لا مؤجلاً، طالما ارتضينا المراوحة في دائرة موتنا بأيدينا، والتي ليست إلا دائرة الاستبداد ذاتها، التي نُقتل فيها قبل « الربيع » بعقود طويلة.