دي ميستورا: مستور طبخة الحصى – صبحي حديدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 23 novembre 2014

دي ميستورا: مستور طبخة الحصى – صبحي حديدي

لا يبدأ المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، من حيث فشل سلفه كوفي أنان، ذو الخبرة الدبلوماسية الأكبر والحنكة التفاوضية الأعلى، رغم نجاحه في عقد جنيف ـ1؛ ولا من حيث فشل سلف السلف، الأخضر الإبراهيمي، رغم ولايتين في المهمة، ودراما دولية وإعلامية اكتنفت جنيف ـ2؛ بل يلوح وكأنه يبدأ من تقويض أشغال السلفَين معاً، وربما تسعة أعشار مرجعيات الأمم المتحدة حول الملف السوري. ذلك لأنه لا ينطلق من، أو بالأحرى لا يعلن إحياء، أو العودة إلى اعتماد، نقاط أنان الستّ؛ رغم أنها أرقى صيغة لما أمكن للأمم المتحدة أن تنجزه من «معجزات»، على سبيل ما صنفته المنظمة الدولية تحت بند «خطط السلام» في سوريا.
فإذا جاز القول أنّ النقطة الأولى في مشروع أنان، التي تقول بـ»الالتزام بالتعاون مع المبعوث في عملية سياسية تشمل كل الأطياف السورية لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري وتهدئة مخاوفه»، تظلّ إشكالية لأنها محلّ اختلاف وتفسيرات متعارضة حول رحيل أو بقاء بشار الأسد؛ فماذا عن النقطة الثانية، التي تقول: «الالتزام بوقف القتال والتوصل بشكل عاجل إلى وقف فعال للعنف المسلح بكل أشكاله من كل الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية المدنيين وتحقيق الاستقرار في البلاد»؟ أليست فكرة دي ميستورا عن الهدنة في حلب، أو «حلب أوّلاً» كما يحلو للبعض القول، مطابقة لروحية هذه النقطة تحديداً؟ وماذا عن النقطة الثالثة، المرتبطة بالثانية، والتي تقول: «ضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت الملائم لكل المناطق المتضررة من القتال، ولتحقيق هذه الغاية وكخطوات فورية قبول وتنفيذ وقف يومي للقتال لأسباب إنسانية»؟
والحال أنّ دي ميستورا شاء قلب المعادلة، أو المعادلات جمعاء، رأساً على عقب أحياناً؛ لإنه يبدو كمَن اختار تفسيراً، غير معلَن، للواقع السوري الراهن، يقرّ ضمناً بأنّ انقسام سوريا أمر واقع على الأرض، وهذا ما يجيز له التفاوض مع النظام، والمعارضة المسلحة بأطيافها كافة، والمعارضات السياسية الداخلية والخارجية… كأطراف ذات استقلالية، ضمن الانقسامات، وفي ضوء معطيات الوزن على الأرض وأوراق القوّة التي يمكن أن تُطرح على طاولة المفاوضات. بهذا المعنى، لم يعد من معنى لدى دي ميستورا في الحديث عن رحيل الأسد، وبالتالي ما الجدوى في إحياء أو اعتماد نقاط أنان الستّ، أو مرجعيات جنيف ـ1 وجنيف ـ2، سواء بسواء؟ أكثر من هذا وذاك، ما فائدة الإصرار على أنّ المبعوث الأممي يمثّل جامعة الدول العربية أيضاً، ما دامت المرجعيات انقلبت هكذا، أو بلغت هذه الحال بعد فشل أنان والإبراهيمي، فباتت الجامعة العربية عبئاً يثقل كاهل دي ميستورا بدل أن يزوّده بسلطة تفاوض إضافية؟
بيد أنّ منطلقات دي ميستورا سوف تلقى مصير خطط سلفَيه، أغلب الظنّ؛ ليس لأنّ أزمنة المعجزات قد انطوى، خاصة في عالم السياسة، وحين تكون الملفات مضرجة بدماء مئات الآلاف من الأبرياء، ومادّتها مئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين والمغيبين، وملايين المشردين في أربع رياح الأرض، وانتفاضة شعب سدّد أبهظ الأثمان، فحسب؛ بل كذلك لأنّ الانطلاق من بقاء النظام المسؤول عن هذه الأهوال جميعها يضع العربة ـ وبالتالي المدفع والقاذفة وصاروخ الـ»سكود» والبرميل المتفجر… ـ أمام حصان الحلول. وأيّة خطة لا تبدأ من رحيل الأسد وحلقة السلطة الأضيق من حوله، وطيّ صفحة نظام «الحركة التصحيحية»، هي محض طبخ لحصى معجزات زائفة، على نار كاذبة.
وتلك، في ذاتها، جريمة أخرى لا تقلّ شناعة، بحقّ أبناء سوريا، الأطفال والنساء والشيوخ خاصة.