5 حزيران والقصير – حازم صاغيّة
لم تستطع الصحف ومعها معلّقون و «فايسبوكيّون» كثيرون مقاومة إغراء التزامن بين يوم 5 حزيران (يونيو) وبين سقوط مدينة القصير السوريّة في يد الجيش السوريّ و«حزب الله». وبين هؤلاء من ذهب أبعد، فتساءل عمّا إذا كان 5 حزيران 2013، أي احتلال القصير، هو الردّ على 5 حزيران 1967، حين احتلّت إسرائيل هضبة الجولان السوريّة وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد وزير الدفاع.
والحال أنّ الربط بين الحدثين مُغرٍ بالمعنيين السلبيّ والإيجابيّ. فسلباً، ليس صحيحاً ذاك النقد السهل للنظام السوريّ من أنّه يفعل ما يفعله في القصير وسواها لأنّه لم يحرّر الجولان ولن يحرّرها. ذاك أنّنا إذا سايرنا تلك الفرضيّة وقلنا إنّ النظام حرّر الجولان، أو أعدّ فعلاً لتحريرها، جاز لنا أن نتوقّع من قمعه الهائل أضعاف ما شهدنا. فالنظام الذي يقوم على القمع وهو مهزوم، تتضاعف شراسته القمعيّة حين ينتصر أو يُعدّ للانتصار. وما الاستئساد على السوريّين الذي حصل بعد «انتصار» حرب تشرين الأوّل (أكتوبر) 1973 وتحويل حافظ الأسد الى موضوع عبادة سوى البرهان على ذلك.
المسألة إذاً ليست في تحرير الجولان أو عدمه، بل في طبيعة النظام الذي يستخدم ذاك التحرير ذريعة ثمينة وسمينة له. وهنا نصل إلى الوجه الإيجابيّ لارتباط الحدثين.
لقد بات واضحاً للعالم بأسره، ما خلا ماضغي أوهام الممانعة، أنّ تحرير الجولان، واستطراداً تحرير فلسطين، أشبه بنظام من المفاهيم والسلوكات والرموز التي تبرّر طريقة معيّنة في حكم القصير وفي «تحريرها» حين تستحيل ممارسة ذاك الحكم. فمن دون تحنيط التحرير الكبير ورفعه إلى مصاف «الطوطم»، يبقى التحرير الصغير ضعيف الشرعيّة والتبرير.
فإذا ما وافقنا على هذه المعادلة وتبعنا النتائج المنطقيّة المنجرّة عنها، جاز لنا أن نستنتج أنّ الثمرة الوحيدة لـ «حركة التحرّر العربيّة» هي قهر الشعوب العربيّة عبر مثال «التحرير» المعكوس مرآويّاً على الواقع. فحين يكون التحرير الموعود غير ممكن وغير مرغوب، وهو كذلك، يصير المطلوب تحويله امتيازاً سامياً، لفظيّاً ومعنويّاً، لأصحابه.
في هذا، ليس من المبالغة القول إنّ «اللاتحرير» صار رأس المال الرمزيّ الذي يشكّله «التحرير» في بلدان أخرى. وعلى قاعدة اللاتحرير هذا يُشيّد نُصب من المعاني الزائفة ويتوالى إنشاء أجهزة أخطبوطيّة تفتك بحرّيّات المواطنين وحقوقهم. وهذه خديعة ما بعدها خديعة تحوّل المكافأة على الفشل الذريع مهمّة وطنيّة نبيلة وعظمى.
هنا يكمن أحد الفوارق بين قمع كقمع ستالين، المدعّم بانتصار باهر في الحرب العالميّة الثانية، وبين قمع كالقمع الأسديّ المدعّم بهزيمة مدوّية يُراد إظهارها انتصاراً تاريخيّاً. في الحالة الأولى، المأساة تتبدّى مأساة محضة لا تداخلها الخديعة. في الحالة الثانية، تتجاور المأساة والملهاة والخديعة.
وفضلاً عن الكوارث كلّها التي تترتّب على نهج كهذا، ثمّة قدر غير قليل من إهانة العقول، قدرٌ يجدر بالعقل أن يردّ عليه احتراماً لذاته. أمّا الردّ الوحيد المقنع فلا يكون أقلّ من إبرام القطع النهائيّ مع نظام الأكاذيب التحريريّة.
فإذا كان الموقف الفعليّ للنظام أنّه لا يريد فعلاً إلاّ أن يحكم القصير، وجب أن يكون الموقف الذي يردّ عليه: ونحن لا نريد إلاّ تحرير القصير منك، قاتلتَ إسرائيل أم لم تقاتلها.
ما عدا ذلك أكاذيب تخدعنا: ألم يقل لنا «حزب الله» ألف مرّة أنّ سلاحه ليس للاستعمال في الداخل، لنكتشف أنّ السلاح هذا هو للاستعمال في الداخل السوريّ أيضاً، وليس الداخل اللبنانيّ فحسب! هذه هي المقاومة. هذا هو التحرير.