الحرب والحل والثورة في سوريا – سلامة كيلة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 13 octobre 2013

وضع المعارضة بات يسير في مسارين متناقضين، الأول هو الذهاب إلى جنيف2 وقبول الحل السياسي. والثاني الاستمرار في الصراع المسلح، وهذه المرة تحت يافطة إسلامية ومن أجل «دولة إسلامية»


العرب سلامة كيلة [نُشر في 11/10/2013، العدد: 9347، ص(9)]
بات واضحاً بأن «المسألة السورية» سائرة إلى جينيف. هذا ما يتوضح من القرار الذي صدر عن مجلس الأمن بخصوص استخدام الأسلحة الكيماوية رقم 2118. لكن ربما كان استخدام الأسلحة الكيماوية هو الذي وضع المسألة في سياق «عالي الوتيرة»، حيث باتت السلطة «تحت التهديد» رغم الإشارة الملتوية حول الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة، لكن الأمر يتعلق أكثر بالتهديد الأميركي باستخدام القوة، الذي يبدو أنه سيظل قائماً لوضع السلطة في مسار إجباري
ولنلاحظ بأن «المسألة السورية» باتت مسألة دولية، ويرتبط حلها بالتوافق الأميركي الروسي بالتحديد، وحيث هما من سيفرض الحل والإيقاع للوصول إليه، وبالتالي من سينصّب «السلطة الجديدة». لذلك مسار طويل من تعثرات الثورة، وخيبة المعارضة وهزالها وتبعيتها، والتدخلات الإقليمية والدولية التي تنطلق من المصالح التي لها في سورية. كما من استمرار تماسك «البنية الصلبة» للسلطة، والوحشية التي تعاملت بها مع الوضع، وتمسكها بالاستمرار في السلطة رغم كل الصراع ضدها، ورغم عجزها عن أن تحقق الحسم كما أرادت طيلة السنوات التي مرت من عمر الثورة، ورغم حاجتها إلى أن تحمى من قبل قوات فعلية من إيران وحزب الله والقوى الطائفية في العراق

لكن ذلك فتح على تناقضات أخذت في الظهور في صف الثورة، وتفكك بات يطال المناطق التي هي خارج سيطرة السلطة، وتعتبر مناطق محررة. فإذا كانت السلطة لم تستطع استعادة السيطرة على تلك المناطق رغم محاولتها ذلك بعد استرجاع مدينة القصير (بفاعلية من قوات حزب الله)، حيث فشلت في تحقيق اختراق حقيقي في حمص رغم العنف الذي مارسته، وفشلت في التقدم في ريف دمشق، حيث ظلت الغوطتان صامدتين. وخسرت مناطق جديدة بقوة الكتائب المسلحة في الشمال والجنوب (درعا)

فقد ظهر بأن هناك من يقوم مقامها في السيطرة على مناطق الشمال والشرق، ويفتعل الصراع مع الكتائب المسلحة. هذا هو الدور الذي باتت «دولة العراق والشام» (داعش) تعلنه، بعد أن قررت السيطرة على الشمال كله وتصفية كل الكتائب المسلحة فيه. وبالتالي السيطرة على كل الحدود مع تركيا. فقد اصطدمت أولاً مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ومن ثم مع لواء عاصفة الشمال، وحتى مع جبهة النصرة توأمها، ومع أحرار الشام القريب أيديولوجياً منها. كما عملت على فرض سلطتها وقانونها، وبدأت في الاعتقال والقتل، والتحرش بالناس. كل ذلك من أجل إقامة إمارة إسلامية (دولة الخلافة)، هذا هو منطقها أصلاً، لكن يبدو من التوقيت أن الأمر أبعد من ذلك، ويتقاطع مع ميل السلطة لإضعاف المعارضة ولتدمير قواها، في سياق سعيها إلى السيطرة على تلك المناطق، أو على الأقل إذا ما وضعنا الأمر في سياق عقد مؤتمر جنيف2، سيكون الهدف هو ضعضعة المعارضة وإنهاكها لكي تقبل ما يُطرح عليها هناك

بالتالي، يمكن وضع كل ما قامت به داعش في سياق تكتيك السلطة، وهو في كل الأحوال فعل تدميري للثورة، وإنهاك لها. لكن الأمر لم يتوقف هنا، حيث أعلن 13 فصيلاً مسلحاً على رأسها جبهة النصرة وأحرار الشام، وكلها ذات توجه إسلامي، عن «نزع الشرعية» عن الائتلاف الوطني السوري، ورفض مؤتمر جنيف2، والتأكيد على إقامة دولة إسلامية. ومن هذه الفصائل ما كان يعتبر على صلة بجماعة الإخوان المسلمين، وهو لواء التوحيد الذي كان يعتبر الفصيل الأكبر في حلب. ثم تشكّل «جيش الإسلام» من 43 فصيلا وكتيبة إسلامية التوجه كذلك، وأيضاً أسقطت الشرعية عن الائتلاف الوطني ورفضت مؤتمر جنيف2، كما دعت لتأسيس دولة إسلامية. تبع ذلك تأسيس «جيش أهل السنة والجماعة»، ثم تشكيل «أمجاد الإسلام». وربما تخرج تشكيلات أخرى

هذا الحدث، كما هو واضح من البيانات التي صدرت، يبدو كرفض لرسالة أحمد الجربا إلى الأمم المتحدة التي يعلن فيها التزام الذهاب إلى مؤتمر جنيف2. لكنه يتخذ شكلاً أيديولوجياً في الوقت ذاته. أي أنه لا يتعلق برفض جنيف2 فقط، بل بفرض بديل «إسلامي» على الثورة السورية. هناك من يعتقد بأن الأمر يتعلق بأن وحشية السلطة قد دفعت إلى تعمّق الأسلمة، وبالتالي تبلور الخيار الإسلامي. وأيضاً هناك من يعتقد بأن «الداخل» قد ملّ من المراهنة على الخارج، سواء تعلق الأمر بدور «القوى الإمبريالية» الذي ضخمت المعارضة الخارجية من إمكاناته، أو تعلق الأمر بالمعارضة ذاتها وبعجزها عن تقديم أية مساعدة، لا مالية ولا عسكرية ولا سياسية حتى. ولهذا فرض هذا وذاك الميل لبلورة «البديل الإسلامي» الذي قرّر أن يستقل في قراراته وسياساته

لكن المشكلة تكمن في أن هذه التشكيلات على ارتباط مالي و»تسليحي» بالسعودية وبعض دول الخليج وفي تواصل سياسي معها. لهذا سيكون «الاستقلال» عن الخارج بلا معنى في كل الأحوال. والمشكلة الأخرى تكمن في أن ما بات يبدو كخيار إجباري في الذهاب إلى جنيف2، بعد أن ظهر انسداد الأفق أمام تقدم الثورة، والوضع غاية الصعوبة الذي فرض على الشعب، وغياب إمكانات الدعم الخارجي، أدى إلى تحولات في بنية المعارضة الخارجية همّشت بعض الأطراف (وهنا جماعة الإخوان المسلمين وإعلان دمشق) من أجل فسح المجال للمشاركة. هذا الأمر فتح على تفكك ممكن في المعارضة ذاتها، حيث ستعمل القوى التي تهمشت على إفشال دور المعارضة. ولقد بدأت بوادر الانشقاق تظهر من خلال تصريحات قيادات في الائتلاف الوطني

في هذا الإطار يمكن تلمّس أن وضع المعارضة بات يسير في مسارين متناقضين، الأول هو الذهاب إلى جنيف2 وقبول الحل السياسي. والثاني الاستمرار في الصراع المسلح، وهذه المرة تحت يافطة إسلامية ومن أجل «دولة إسلامية». والفرز يتحقق في المستوى المسلح كما في المستوى السياسي

كيف ستسير الأمور؟

إذا كانت الثورة في فوضى نتيجة الفشل في تنظيم الكتائب المسلحة وفي بناء قيادة سياسية مقبولة شعبياً وثورياً، فإن خطوة الكتائب الإسلامية سوف تزيد الشرخ، وتضعف إمكانيات الثورة لأنها سوف تضعف تقبل قطاعات مجتمعية أوسع لها وربما للثورة، وتؤسس لنشوب صراعات بينها وبين الكتائب الأخرى، يكمل ما بدأته داعش. ولهذا سيطول الصراع لكن دون أن يحمل إمكانية للانتصار، حيث يصبح الصراع متعدداً، أي ليس صراع الشعب ضد السلطة، بل وصراع ضد الأسلمة التي تحملها هذه الكتائب. وهذا يعقّد الأمور بالتأكيد

إذن، سنلمس هنا بأن هذا الميل لفرض أسلمة الكتائب المسلحة والدعوة لتأسيس «دولة إسلامية»، سوف يطيل أمد الصراع، ويزيد في التدمير والقتل، والفوضى. فالوضع الآن يحتاج إلى فهم ميزان القوى، وكذلك إمكانات تعديله لمصلحة الثورة. ولاشك في أن هذه الخطوة لا تسمح بتعديل ميزان القوى لأنها تربك قوى الثورة ذاتها. وهذا يفتح على صراع طويل، ربما تريده بعض القوى (خصوصاً هنا الإخوان، والسلفيين والجهاديين) لأنها إما تنتصر أو تنهزم

في المقابل لن يكون نجاح جنيف2 ممكناً إلا إذا كانت هناك جدية من قبل الروس خصوصاً، الذين هم المعنيين بترتيب وفد السلطة الذي يقبل الحل مسبقاً. ولاشك في أن قرار مجلس الأمن يفتح على تسهيل الظرف الدولي، لأنه سيحد من تدخلات القوى الإقليمية والدولية المعرقلة لهذا الحل. لكن ليس من الممكن أن ينجح الحل في ظل استمرار بشار الأسد ومجموعته، هذا أمر بديهي، ولهذا لابد من أن يحسم بطريقة من الطرق. ولاشك في أن ذلك هو الذي سيضعف من «تمرّد» الرافضين للحل السياسي، ويفتح على نجاحه واقعياً

كاتب فلسطيني

Source : http://www.alarab.co.uk/?id=5813