تبلور الوجهة السورية – حازم صاغيّة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 31 janvier 2012

الحسم الأمني السوري تتنافس قلةُ حظه وكثرةُ دمويته. القتل يتزايد بوتيرة عالية جداً، لكن الاشتباكات مع «الجيش الحر» تصل إلى طريق المطار. دمشق وحلب صارتا في قلب المعمعة، والقصر الجمهوري نفسه لم يعد يحظى بالأمن الكامل. الانشقاقات عن الجيش الرسمي تتوالى وتتكاثر، في ظل توالي وتكاثر قتْل أهلهم وتدمير قراهم وبلداتهم. ضباط كبار هم من «عظام رقبة» النظام تَرِدُ أنباء عن انشقاقهم. عدوى الانتفاضات تتوسع وتكتسب رقع أرض جديدة

فوق هذا، ثبت للمرة الألف أن عمليات إعادة احتلال المدن والبلدات ليست بالردع النافع، فما إن تنتهي العملية العسكرية حتى تعيد الانتفاضة رفع أعلامها على المدينة والبلدة المعنيتين. رأينا ذلك في غير مكان على الخريطة السورية التي تتعاظم مساحة انسحاب السلطة منها

الطريق الداخلي المسدود يفاقم انسدادَه الوضعُ الاقتصادي، ومرآته حال الليرة السورية اليوم. وهذا ما يدفع وسيدفع فئات مترددة إلى أن تحسم موقفها حيال نظام لم يعد قادراً على تأمين مصالحه هو نفسه، قبل أن يؤمن مصالحها

خارجياً، وضعُ النظام أفضل، لكنه ليس أفضل كثيراً. أن تغدو «سورية الأسد»، التي كانت طويلاً من أبرز أركان الجامعة العربية، على قطيعة مع تلك الجامعة بعدما باتت موضعاً لمراقبتها، فهذا تحوُّلٌ غني الدلالة. واستنفاد الحل العربي ووصول الموضوع السوري إلى الأمم المتحدة خبر سيء جداً للنظام، فكأن دمشق اليوم تتحرك بين الرمضاء والنار

لكنْ لنلاحظ هنا، فضلاً عن الموقف الفرنسي-البريطاني المتشدد، أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ستترأس شخصياً وفد بلادها إلى اجتماع مجلس الأمن اليوم. هذه إشارة لا تخطئ إلى ارتفاع الموضوع السوري في أولويات السياسة الأميركية تحديداً، والسياسات الغربية عموماً

صحيح أن الروس والصينيين يُرجح أن يمارسوا حق الفيتو، لكن الصحيح أيضاً أن أفق المساومات الحامية معهم قد فُتح، بيعاً وشراء من جهة، وضغوطاً من جهة أخرى

إلى ذلك، يصعب أن يستمر إلى ما لا نهاية جمود الموقف الروسي-الصيني على حاله في ظل سيولة وتحول هائلَيْن ومتسارعَيْن يشهدهما الوضع السوري، أرض الصراع المنتجة للمواقف، بل أيضاً في أعقاب تحول إجمالي عربي يصعب على موسكو وبكين أن تمضيا في التعامي عنه، وعن مصالحهما فيه، وقد يصعب ذلك حتى على طهران نفسها من خارج مجلس الأمن

بل ربما كنا لا نبالغ ولا نفتعل إذا لحظنا الفارق بين ما يجري على «الجبهة» الغربية-الإيرانية وما يجري على «الجبهة» الغربية-السورية: في الحالة الأولى يعاود الصراخ انضباطه في السياسة والتفاوض، وفي الحالة الثانية ماتت السياسة تماماً. ولربما جاز بالتالي أن نسأل: هل حلت معادلة فصل إيران عن سورية محل المعادلة القديمة القائلة بفصل سورية عن إيران؟

هذه الأسطر ليست دعوة إلى الاستهانة بما سوف تحمله الأيام والأسابيع القادمة، لا سيما الألم الذي تُحدثه وتعد به اتجاهات النظام العنفية، وهو ألم لا يُستبعد فيضانه عن سورية إلى جوارها، خصوصاً جوارها اللبناني. مع هذا، ترتسم الآن، ربما للمرة الأولى، وجهة صار من الصعب ألاّ نتبينها

الحياة – الثلاثاء، 31 يناير 2012

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/356633