عمر الأسعد – الفلسطينيون في سوريا من النكبة وحتى اليوم
تحت عنوان « الفلسطينيون في سوريا من النكبة وحتى اليوم » نظمت جمعية سوريا حرية لقاء جديداً ضمن سلسلة ندواتها الشهرية « آحاد سوريا حرية « ، والتي يديرها الكاتب والناشر السوري فاروق مردم بيك. استضافت الندوة فالنتينا نابوليتانو الباحثة المختصة في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية، والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى، والناشط خليل خليل مدرس اللغة العربية الذي قدم شهادة حية عن معاناة مخيم اليرموك في ظل حصار النظام السوري له
من جهتها استعرضت نابوليتانو التكوين الاجتماعي للوجود الفلسطيني في سوريا، منوهة إلى وصول موجات متتالية من اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا تبعاً للظروف في الداخل الفلسطيني أو في بلدان اللجوء، ذاك أن العام 1948 شهد وصول الموجة الأولى من اللاجئين الفلسطينيين إبان النكبة، ثم في العام 1967 بعد حرب حزيران/يونيو كانت الدفعة الثانية، تلاها انتقال عدد من الفلسطينيين من الأردن في العام 1970 بعد أحداث أيلول الأسود، ثم خلال الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982، ثم وصول أعداد من الفلسطينيين بعد حرب الخليج 1991، وكانت آخر موجات اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا في عام 2003 بعد الغزو الأميركي للعراق
أما من ناحية الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في سوريا، فاعتبرت نابوليتانو أن الفلسطينيين استفادوا من وضعية لجوئهم في سوريا بالمقارنة مع أوضاعهم في بقية دول الجوار الفلسطيني، وكانت هذه الاستفادة منظمة قانونياً من خلال قانون عام 1957، والذي أعطى للاجئ الفلسطيني حقوقاً مساوية للمواطن السوري من ناحية الحق في التعلم والدراسة والملكية والطبابة وإصدار هويات شخصية مشابهة للهوية السورية مع التنويه بالأصول الفلسطينية وذلك للحفاظ على حق العودة، كذلك من خلال امتلاكهم لوثائق السفر
واعتبرت أن هذا الوضع الذي تمتع به اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ساهم في تفاعلهم الاجتماعي واندماجهم مع المجتمع السوري
وعلى صعيد التاريخ السياسي للوجود الفلسطيني في سوريا، قسمت نابوليتانو هذا التاريخ إلى ثلاث مراحل زمنية أساسية
المرحلة الأولى هي سنوات الخمسينات والستينات، وخلال هذه المرحلة كانت سوريا مركز عمل أساسي للفلسطينيين في ظل تصاعد النشاط السياسي للقيادات والشباب الفلسطيني في دول الجوار، فتشكلت في سوريا منظمة فتح والتي بدأت عملياتها العسكرية باتجاه اسرائيل انطلاقاً من منطقة الجولان السوري، وفي نهاية ستينات القرن الماضي بات في سوريا عدد من المنظمات الفلسطينية منها فتح والصاعقة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وتبنت كل هذه المنظمات العمل العسكري منهجاً لها واستمر هذا حتى وصول الأسد الأب إلى السلطة عام 1970، ومنعه العمل العسكري ضد اسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية
المرحلة الثانية من 1970 تاريخ وصول حافظ الأسد للسلطة وحتى 1993 تاريخ توقيع اتفاق أوسلو، في بداية هذه الفترة انتقلت قيادات العمل الفلسطيني إلى لبنان وبعضها إلى سوريا على خلفية أحداث أيلول الأسود في الأردن عام 1970، فيما تصاعدت أيضاً سيطرة النظام الأمنية على الوجود الفلسطيني في سوريا ونشاط الفلسطينيين فيها، خاصة بعد اتخاذ النظام قرار التدخل في الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976 ، ما أدى إلى اشتعال المظاهرات في مخيم اليرموك اعتراضاً على سياسة النظام السوري التي اعتبروها موجهة ضد الفلسطينيين في تلك المرحلة، وتواترت العلاقة بين النظام السوري والفلسطينيين تبعاً لسياساته في تلك الفترة وتبعاً لعلاقته بالقيادات الفلسطينية كذلك
المرحلة الثالثة والأخيرة من 1993 تاريخ توقيع اتفاق أوسلو وحتى 2011 تاريخ اندلاع الثورة السورية، بعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل تشكلت العلاقة بين الفلسطينيين والنظام السوري على نحو مختلف، خاصة مع معارضة نظام حافظ الأسد للاتفاق الموقع بين الجانبين، ما أدى إلى تقاربه مع مجموعة المنظمات والقوى السياسية الفلسطينية التي عارضت اتفاق أوسلو، وخلال تلك المرحلة تعزز وجود ونشاط منظمة حماس في سوريا، فافتتحت مكاتبها وسمح لها بممارسة نشاطها السياسي والاجتماعي طوال العقد الأول من الألفية الثالثة، واستمرت العلاقة مع الفلسطينيين بهذا الشكل حتى اندلاع الثورة في 2011 ، والتحاق القطاع الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين بها
من جهته الناشط خليل خليل الواصل حديثاً من سوريا تحدث عن جوانب من العمل الفلسطيني والعلاقة بين اللاجئين الفلسطينيين والمجتمع السوري، ومعاناة مخيم اليرموك خلال الثورة السورية
أكد خليل بداية على اندماج الفلسطينيين في المجتمع السوري، وعلى عمق العلاقة التي نمت خلال المدة الزمنية الطويلة لوجود الفلسطينيين في سوريا، وتفاعلهم مع المجتمع السوري وقضاياه ومشكلاته، منوهاً إلى أن حقوق الفلسطينيين في سوريا قدمها الشعب السوري وليس نظام الأسد، ذاك أن الفلسطينيين تمتعوا بوضع أكثر راحة واستقراراً قبل وصول الأسد إلى السلطة، ثم ما لبثت عمليات التضييق والقمع التي شملت السوريين أن شملتهم أيضاً. ومن هنا يعتبر خليل أن اشتراك الفلسطينيين في الثورة السورية كان أمراً طبيعياً نتيجة تفاعلهم مع بيئة لا يشعرون فيها بالغربة ويعايشون مشكلاتها
أما من ناحية موقف الفصائل الفلسطينية من النظام السوري والثورة فقسمه خليل إلى مستويات متعددة ، فهناك من الفصائل من اختار الصمت دون السماح لكوادره الانخراط بالثورة واكتفى بدور إغاثي واجتماعي، وهناك من اختار الانخراط التام في الثورة وهو الموقف الذي اتخذته حركة حماس التي لعب كوادرها دوراً هاماً في العمل السياسي والإغاثي، ومن ثم العمل العسكري من خلال نقل خبراتهم إلى كتائب ناشطة في الجيش السوري الحر
أما الموقف الثالث فهو موقف حركة فتح، والذي بدأ بتصريحات نارية ضد النظام في البداية، لكنها بحسب خليل ما لبثت أن بدأت بالتراجع عن مواقفها وذلك نتيجة تعرضها لضغوطات دولية كي تتراجع عن تصريحاتها
من الناحية الميدانية اعتبر خليل أن الوضع في مخيم اليرموك تطور على إيقاع الأحداث في سوريا منذ 2011 ، فالمخيم الذي كان محيداً في البداية عن ساحة الأحداث السياسية والانخراط بها منعاً لاستغلال الورقة الفلسطينية من قبل النظام، عمل على استقبال آلاف النازحين السوريين من المناطق المتضررة نتيجة عمليات القصف والمداهمات والاجتياح، واقتصر دوره على تقديم الدعم الإغاثي واللوجستي للمناطق المتضررة والمحاصرة، إلا أن هذا الدور أغضب النظام السوري الذي بدأ التمهيد لعملية حصار المخيم بالتعاون مع بعض الجهات الفلسطينية الموالية له وعلى رأسها تنظيم القيادة العامة
خلال هذه المرحلة كان هناك توجه لدى الناشطين في المخيم من أجل عدم الدخول في العمل العسكري، إلا أن النظام السوري والمجموعات الموالية له بدأت باستفزاز الجيش الحر المتواجد في المناطق القريبة من خلال عمليات الخطف وغيرها، وقبل أن تدخل كتائب الجيش الحر إلى المخيم كان النظام بدأ عمليات القصف بالطيران الحربي
خلال تلك المرحلة سمح النظام بالدخول والخروج من المخيم، وإخراج الأغراض والمؤن والحاجيات الشخصية والعائلية منه، لكنه وضع ضوابط صارمة على دخول أي مواد تموينية أو غذائية، ثم قدم تسهيلات للتجار لاستخراج بضائعهم من المخيم، وعندما ضمن نفاذ المواد الغذائية والاستهلاكية أطبق حصاره على المخيم بالكامل في آب / أغسطس 2013، وفي عملية إذلال واستفزاز رفع عناصر النظام السوري على باب المخيم شعار « الجوع أو الركوع » وعلقوا ربطة خبز ليراها المحاصرون الذين مات منهم حوالي 172 شخص من الجوع معظمهم من الأطفال والمسنين
من ناحية أخرى قدم خليل شهادة عن مقاومة الناس لعمليات التجويع والحصار من خلال النشاط المدني والإغاثي ومؤسسات التعليم البديل التي كان ناشطاً فيها، حيث شارك مع مجموعة من الكوادر والمتطوعين داخل المخيم في تأسيس المدرسة الدمشقية البديلة، وذلك كي لا يحرم التلاميذ من التعلم خلال فترة الحصار، ووصل عدد التلاميذ الملتحقين بهذه المدارس البديلة من الصف الأول الابتدائي وحتى الثالث الثانوي إلى 7500 طالب وطالبة، استطاعوا الوصول إلى الامتحانات النهائية وأجبروا النظام ومنظمة الأنروا على الاعتراف بشهاداتهم التي حازوا عليها
يذكر أن الندوة تزامنت مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 تشرين الثاني / نوفمبر